هاشم خليل عبدالغني – الأردن
وأخلع جلدي
بقلم : محمد صوالحه
وأخلع جلدي ..
وأرتديك ثوبا
من ضياء ..
ارتديك ..
غيمة تطير بي
حيث البياض
و عطر البياض
حيث انت
افقأ عيني ..
واستعير شمس عينك
تبدد ..
ظلمة يومي
وتصلب ..
عتمة روحي
يا أنت ..
منذ عمرين وأكثر
أناديك ..
إنا الكهل الكسيح
المخنوق بدمعه
من يعيد إلي جنوني
وذاك الصغير المشاغب فيّ
ألاك
أأبكيك ..
وماذا تعني الدموع
إلا عجز النخيل..
وعجز السماء
وموت التراب ..
أمام الغياب
منذ عمرين وأكثر
انتظرك فجرا ..
يطفئ وجعي
ويعيدني حيا ..
بعد أن صار عمري
سراب ..
من القصائد الوجدانية الجميلة التي شدتني وراقت لي قصيدة ” وأخلع جلدي ” للشاعر الأردني محمد صوالحه ، التي يصور فيها مشاعره تجاه حبيبته ، مشاعر اللوعة والحرمان ، قصيدة تضج بالشجن والوجدان عذوبة ورقة ، و تعبر عما يعتمل في صدره من خلجات ونبضات ومشاعر صادقة . يقدم لنا الشاعر من خلالها (أطباقًا شهية من البوح الرقيق الناعم الهامس ).
يسير النص بين فضاءات متعددة من أبرزها ، التعلق
بالحبيبة ، وتقديم فروض الولاء والوفاء لها ، والعجز عن تحقيق الآمال والأحلام ، والحنين لأيام أيام البراءة الصبا ، والبحث عن مباهج الحياة ومسراتها ،بعيداً عن سراب الحب وأوهامه .. لنقف مع القصيدة وقفة تأملية عميقة لاستجلاء معانيها الخفية .
يعبر الشاعر محمد صوالحه عن حبه للحبيبة في قصيدة ” اخلع جلدي ” بطريقة مغرقة بالوجد والوله والتفاني ، ففي سبيل إثبات صدقه وتعلقه بالحبيبة ، فهو على استعداد لحمل نفسه على نزع الغلاف الخارجي لجسمه (جلدة ) وكأنه يتجرد من ثيابه ، ليرتدي الحبيبة ثوباً مضيئاً بذاته من الطهر والنقاء (بريئا وخالٍ من العيوب ) . وأرتديك قطعة من سحاب تطير بجناحيها إلى طيبة قلبك وصفاء نفسك ، تطير بي حيث البراءة وسلامة الطوية … حيث مال القلب وهوى .
وأخلع جلدي
وأرتديك ثوبا
من ضياء
ارتديك
غيمة تطير بي
حيث البياض
و عطر البياض
حيث انت
يواصل الشاعر تقديم عروض الولاء والوفاء للحبيبة ، فهو على استعداد لثقب عينيه وخلعها ، لتعطيه قبسا يسيرا من نور عينيها عارية مستردة ، لتشتت وتفرق سواد ليله وشدته الذي عاشه في غياهب الظلمات في وحدة وانعزال ، ولتبدد وتمزق تشدد وتصلب ظلام روحه ومعاناته وأفكاره الغريبة .
افقأ عيني
واستعير شمس عينك
تبدد
ظلمة يومي
وتصلب
عتمة روحي
يخاطب الشاعر ” صوالحه ” الحبيبة بود وشفافية ورقة ..منذ عمرين وأكثر ، أناديك وأدعوك بأرق الأصوات وأقواها ،أنا الكهل الذي تجاوز سن الشباب وخط المشيب خطوطه في ملامحي .. الكهل الذي تعطلت قواه الحركية والحسي ، دلالة على ( شلل القدرة على التوأم والتوافق مع صدك وإهمالك ) والكهل العاجز عن تحقيق أماله وأحلامه . ونتيجة هذا العجز أصبت بالاختناق وضيق بالتنفس .. ففاضت عيني بِالبُكَاءِ .
يا أنت
منذ عمرين وأكثر
أناديك
إنا الكهل الكسيح
المخنوق بدمعه
وفي هذا الجو المشحون بالشوق والمعاناة والخذلان وقلة الحيلة والضعف .. يتساءل الشاعر بكل لوعة وحسرة .. من يرجع الأمور لسابق عهدها ؟؟ أيام هوس الصبا ورعونته وجنونه .. أيام البراءة والنقاء ..
إلا أنت .
من يعيد إلي جنوني
وذاك الصغير المشاغب فيّ
ألاك
وفي منحى رومانسي حافل بأجواء وصور شعرية ممتدة ، يواصل الشاعر بث وإخراج ما بداخله من شحنات عاطفية وانفعالية ، أأبكيك حزناً وألماً ؟ ! وماذا تجدي الدموع ؟ إنها دليل عجز وضعف وقلة حيلة وعدم القدرة على التصرف بوعي وحكمة ، إنها لحظات جمود وسكون .
أأبكيك
وماذا تعني الدموع
إلا عجز النخيل
وعجز السماء
وموت التراب
ورغم النزف والوجع يصر الشاعر ” محمد صوالحه ” على البوح الهامس عن طريق الزخم الشعوري والعاطفة المتأججة تجاه الحبيبة .. مستعرضاً أثر الغياب ولهفة الانتظار .. فيقول :
أمام غيابك وهجرانك ، واختفاؤك عن ناظري ، ورحيلك بعيداً .. أمام هذا الواقع المر، انتظرتك عمرين وأكثر( مرحلة الشباب والكهولة ) انتظرت وترقبت ضوء الصباح ليبدد ظلمة سواد أيامي ، ولِيُذهبَ لهيب وجع ألمي ومرضي ، ويعيد لي الحياة بمباهجها ومسراتها ، بعيداً عن الوهم والمظاهر الخادعة وسراب الحب ، وصولاً لحياة هادئة دافئة .
أمام الغياب
منذ عمرين وأكثر
انتظرك فجرا
يطفئ وجعي
ويعيدني حيا
بعد أن صار عمري
سراب
هذا النص سجلا واعياً لمشاعر وأحاسيس الشاعر الصادقة يغلب عليه طابع السهولة والعمق والشفافية الشعرية ، نص فيه رقة وإحساس ودلالات وجدانية عميقة …. كل الود والمحبة للشاعر الإنسان محمد صوالحه ، مع تمنياتي له بدوام الكتابة الجميلة المتميزة .