سيمياء العنوان يبدو غرائيبيا وملفتا للنظر يحمل دلالات هامة ملتهبة بنفثات محرقة للشاعرالذي يفتح لنا أبواب جهنم في شعريته المتعبة والغريبة والغير مسبوقة بالمرّة حين يقتحم الممنوع الممنوع ليقدم للمتلقي–حسب رؤيتي – ملحمة شعرية في التناص والأسلوب والقصد ، يتكون النص من ثلاثة عشر مشهدا تراجيديا بنكهة الهزيمة والقهر والأحباط ، رقّمها جميعا عدا المشهد الأخير رقم 13 أسماهُ ” الرقم المنحوس ” والمشؤوم أجتماعياً ، بيد أن بطل الرواية المجنون يدعي هو العاقل هنا في فهم هذا الرقم وغيره هم المجانين ، لآن التشاؤم هو قمة الوعي بالواقع وأقصى درجات الرفض لأبجديات مستلباته القبيحة والمذلة ، فقد ضاع العرب بين الرأس والذيل بعد غياب باقي أعضاء الجسم ، ويشير في قصيدته هذه بمقارنة ذليلة بين الحصان العربي الأصيل وبين الطائرة المبتكرة ( البوينغ ) فهنا الشاعر( يدين )عنصر الزمن لصالح حضارته ، ضياعها عند العرب في الفخر بما عمل الأجداد والأنساب بينما أستغل الغرب عامل الزمن ووظّفهُ لصالح حضارته بأكتشافات علمية :
*العالم مشغولٌ بسرِعولمتنا
تمثلنا ( الدي )فهي الرأس
إلى ( مقراطية ) ذيل
يجرح عزتنا لا كل العالم نقبلهُ
نحن علمنا الناس سرّ الحرفْ
وسر النهب وسر ( الكرف )
فليتوجه كل العالم صوب قبلتنا
فالعالم مشغوفٌ بسر عولمتنا
*حمارٌ يمتطي حصاناً عربياً
يعلقُ شجرة نسبهِ
قلادة فوق مؤخرتهِ و—
يجرُ خلفهُ طائرة ( البوينغ )
عند تفحصي لنصوص المجموعة الشعرية وجدتُ أن حميد يحافظ ويؤكد على ( مورفولوجية ) الأشياء في الشكل والمضمون حيث يبرز التشاؤم والسوداوية القهرية لمعطيات عناصر شعره بحيث يقلب المفاهيم الواقعية لكي يجعل المشهد حزينا ومؤلما يستعمل (الأستعارة ) كما جاء في تعبيرهِ للقصب بالأصفر الذي هو رمز الموت والفناء ، فيجعل الضفدعة ضحية الأفعى بفحيحها نذير الموت ، بدّل صوتها الطبيعي (النقيق ) بصوت الأفعى ( الفحيح ) وهنا يقصد الشاعرفي لعبة قلب الصورة الطبيعية للحياة أن يدخل تشويشا متعمدا في ذهن المتلقي ليستجيب لنداء ( التغيير ) ، وكذا في لوحة الراعي والخراف ، فقطيع الخراف دائما منقادة ولكن في صناعة الشاعرحميد العبقرية جعلها هي الدرع الحصين للراعي ، فالرمز هنا وكأنه يخاطب الشعوب العربية : بأستكانتكم كالخراف العمياء وتصفيقكم للقائد الرمز ومسختم أنفسكم وعاظا للسلاطين ودروعا بشرية لحماية المنصور بالله والمستعين بالله وقائد الضرورة ، وهو رمز للغي والقصور لفهم الواقع الأجتماعي للشعوب المقهورة ، ولتلك الصورة السوداوية المستلبة يتعمد الشاعر ” الهجوم الوحشي على الواقغ ” وأعتقد جازماً أنها( رسالة مفتوحة ) للحكام نصها الأيحائي : صراع بين الجلاد والضحية ، بين الناهب والمنهوب ، بين المتخم والجائع ، بين الرابح والمنحوس ، وبين المتغطرس والذليل ، وهي من بركات الديمقراطية العرجاء الكسيحة التي حولتنا إلى السريالية المجنونة .
يطرح آراءهُ الفكرية بأقتحامية لا يهاب مطبات الرأي المعاكس وأبجديات أغتيال الكلمة الحرّة سواء كان من قمة السلطة أو من دولة الحمير ، يبدو لي أنهُ ضحية مركبات هموم عصرهِ بزمكنة غير محدودة ربما يعني جغرافية العرب وتأريخهم ، لا يهاب المحذور والخطوط الحمر التي وضعتْ من قبل المنصور بالله والمعتز بالله وعبدالله بن زياد وصدام حسين ، ومن المصنفين ( اللوكية ) أو بتعبير ديمقراطي شفاف ( وعاظ السلاطين ) أو الرجال المزيفون ، وجُلّ طروحاته الأستفزاوية حسب رأي الشخصي : مفاهيم يسارية وأنهُ ( تحريض ) ثوري ينحو للتغيير الجذري على الأقل للأجيال المستقبلية ، أنه شاعر بقمة الصمود والتحدي ولا يهاب العواقب حتى لو ذكرته بجميع ضحايا أصحاب الكلمة الحرة ، الحلاج والحسين أو علاء مجذوب وفيها يقول :
أنا شاهد عليها
تحت ظلال الرماح القصب الصفراء
ضفادع لها ( فحيح ) تزدرد الأفاعي
أنا شاهد عليها
خراف عمياء تحرس الراعي
وطرح الشاعر حميد من خلال مجموعته الشعرية نفثاته الوجدانية صاباً جام غضبهِ على أصحاب القرار السياسي معتمدا القسوة في تشخيص أمراض وعلل وفقاعات تستحوذ على الطبقة الحاكمة وشخصهم سايكولوجيا وجميعهم بدون أستثناء ومنذ قرن من الزمن الموجع بمرض ( السايكوبولتك ) السيطرة والأستعباد وكم الأفواه ووأد الكلمة الحرة ووصل العقل السياسي مبرمجا على الكراهية والشك المرضي ( البارانويا ) وهو يقول :
أنا صوت ( القواد)وربان
المقود
أنا السيد الأعلى
أنا الأله الأعمى
أنا راعي القطيع الأسمى
أنا الأول ، أنا الآخر
أنا الوحيد الأوحد
أنا المعبود وأنا العابد
وفي لوحاتٍ شعرية لاحقة أخرى يعري الحكام وينزع منهم ورقة التوت ويستهجن أساليبهم في فن الأحتيال والضحك على الذقون بأطلاق فتاوى الظلالة لفرض الشرعنة الغيبية على عبثه المجتمعي وهو يقول :
ممنوع
أحتضان
المطرقة للمنجل
محظور
وضع الخيار في الأعلى
( الطماطة ) في الأسفل
ممارسة الموت
في الشارع مقبول
أما الفرح
محظور حتى
خلف الباب المقفل
أياك
أن تبتل ريقك
ب(المنكر )
وفي مجموعته الشعرية يكشف هويتهُ الذاتية بأنهُ ضد العولمة وأمراض العولمة في مهرجانات الخرافة والشعوذة بغياب العقل ودولتها المباركة التي لخصها بالطاعة العمياء للأمير للسلطان للوالي وهو يقول : أسجد للمعتصم والمنصور والمؤيد بالله فهو الأول والأخير ويقصد العكس لا تستكين لاتستسلم أحرق الراية البيضاء فتش عن التغيير:
عاش الأمير ——- كلنا حمير
يبرركراهيته لعصر العولمة للناحية ( الأجتماعية ) يقرُّ بصخب الحياة اليومية وأنتشار الأنتاج الرقمي الأفتراضي والتي أدت إلى العزلة عن الواقع الأجتماعي الحقيقي والتي آلت تداعياتها إلى تفكك الأواصر الأسرية ، وتكليس الذات البشرية والوجدانية والعاطفية فأتجه الفرد إلى طلب الراحة وربما دفعتهُ إلى ممارسة بعض المسكنات او المخدرات والمشروبات الروحية الكحولية ليكن ما يكن حتى الأدمان طالما يحصل على ساعة من العزلة والطمأنينة النفسية وقد يتجه إلى الغيبيات ويقع كفريسة في خضم عنكبوتيات الدين في طرد الجن من رأسه :
في قاعات الدرس
تعلمنا فن الخطابة أخرس
ومتسوّلْ أعمى
يعلمنا في أدخار الفلس
وشيخ الحي
يعلمنا فنون المنكر والرجس
كأننا أمام عولمة الجنون
يتجه بمجموعته الشعرية نحو أمراض العولمة من الناحية (السياسية) عندما يتحوّل الأميرمتجلبباً بعباءة الدين في ( طاعة ولي الأمر واجب عين ) فتكون صلاحياته المباركة في الجلد والرجم وقطع الرقاب وأمتلاك أعراض العباد فكل شيءٍ ملكهُ ، وهي أحدى المشاهدات للمجنون( الحكم – البصير ) في عصر العولمة في دولة الحمير ، تكون الضحية الحارس الأمين للجلاد السفاح القاتل المقدس ، ويكون ذليلا تحت ( نعل ) ناهب رغيفه وهاتك عرضه وماسخ شرفه ، وكذا حج وعمرة الحكام العرب لواشنطن وتقبيل نعال الرئيس الأمريكي المبتز لثرواتها النفطية يسميها الشاعر بمطر الدولارات ، يقول :
من بركاتنا
جعلناكم خصياناً
لا تحزن
نساؤكم سيطؤها سيدنا
مطر الدولارات
لا يعرف لونا
ولا يعرف عنوانا
صرنا
أرقاماً
ما عدنا نتعارف
بالأسماء
لا معنى للغيث
صار
مطرنا أسود
والرعد
نار رصاص عواء
وقد جعل المجنون شاهد تأريخ عصره وأباح لهُ في خطابهِ أستعمال ألفاظاً قبيحة ومستهجنة تتماشى مع درجة جنونهِ من ناحية ومع ما يليق بأصحاب القرار السياسي :
تتزيّن ٍصدورهن
بقلائد مرصعة بكرات
من براز السلطان
نساء
لا تنجب ألا بأمرٍ من ( قضيب ) الوالي
ومن نفثاته المحرقة أستعمل ببراعة أنيقة وشفافة بترصيع الصور الشعرية في مجموعته الشعرية ” مشاهدات مجنون في عصر العولمة أسلوب (التورية) يفرض على المتلقي أكتشاف البعيد والمخفي ، فالمقصود بأدوات النصب هو النصب والأحتيال ، وأدوات الجر يقصد بها جر الشعوب كقطعان الماشية لقبول الأستعباد والذل ، أما الأملاء يعني فرض الأرادات على الناس كالفيتو في العهد الأمريكي كسر الأرادات الحرة :
قطعان مدينتنا
تعاف البرسيم
وتلتهم أوراق ورد الجوري
حمير مدينتنا
تدرس ساستنا علم المنطق
وأدوات النصب والجر
كاتب وباحث عراقي مقيم في السوي