آفاق حرة
القصص القصير جدا كورونيات عند حسن برطال
جدوى الزمن الدائري
– لقد اهتم نَفَس القص القصير جدا بوحدة الزمن، حيث تشكل أحد المهمات الأساس في بنية القصة القصيرة جدا، وتلعب دور في تحويل المسار القصصي الساعي الى النتيجة الحتمية أن يتوافق مع النهاية البديلة التي تسمى عرفا – الضربة –، وفن الكتابة عند ذائقة الوعي القصصي يميز وحدة الزمن داخل كيان بنية القصة القصيرة جدا، وذلك الاهتمام ليس ناجم من رؤيا قصصية عند ذات معينة، بل هو أحد اللوازم الأساس ذات المنطق المركب، حيث هناك منطق عام لوحدة الزمن يمثل المسار والثيمة، ويقابله منطق خاص هو يرتبط في الفن القصصي الساعي الى كسب نهاية بديلة مثيرة جدا، وقد اكتسبت مجموعة – كرونيات عسر الفهم – لحسن برطال، والتي هي أيضا بعنونتها بالجانب الاشهاري تقف بموقف انساني مهم، ولم يقف عند ذلك الحد بل شكلت المتون القصصية إضافة متعددة التفسيرات, وطبيعي لكل نص ظروفه الاجتماعية والإنسانية والنفسية, وقد لعب الزمن الدائري التدويلي في عدم تشتت تلك الظروف من جهة, ومن جهة أخرى شارك في تحقيق أن تكون النهاية البديلة مستعارة من ثيمة النص, وليس هي مفروضة من الخارج بزمن مختلف عن الزمن الدائري، ومن هذا الالتزام الضوابطي زمنيا، قد شكلت جميع القصص صورة منطقية للإطار التجنيسي بالوجه التام، وفي تفسير وحدة الزمن الدائري مثلت القصص الدراية العلمية والمعرفية في بنائها، والبداية استهلت من أول قصة – الجرثومة بعشر امثالها – قدم لنا المستوى الفكري للثيمة موقف الرجل المريض ساعيا الى خلق نتيجة من خلال تركه المال المتبقي، لكن الفن في القص القصير جدا لا يستوجب ذلك، وعلى الزمن عند بلوغ حد النتيجة النهائية أن يعود يدور فاسحا المجال للضربة او النهاية البديلة الداخلية التمظهر، والتي مثلها المال المتبقي الذي جلبه الابن، وتلك الصيغ الزمنية هي الدالة على تقنية القص في القص القصير جدا، والدليل المعنوي على سياقات الكتابة .
شكلت بلاغة ايقاع القص في قصص حسن برطال إشارة على وجود ايقاع خارجي يمثل المواقف والتفاصيل بتنوعها وتعددها، ويقابله ايقاع داخلي يمثل الدور الذي يلعبه الزمن في منعرجه الدائري أن يجعل هناك مضمون مدهش يضاف الى المضامين المعهودة، ويكون هنا نوع من التقابل الحتمي بين المضامين الاساس التي معرفة ومشهودة وواضحة والمضامين المستحدثة الجديدة غير المعرفة والمفاجأة والمتندرة، وطبعا التوافق ليس فقط وظيفيا، بل هو أيضا إلزاميا حيث هنا يوجد إجراء وظيفي أولي في سياقات الكتابة، وهناك إجراء وظيفي لاحق، ولعبة الزمن في أن يحل اللاحق بدلا من السابق الساعي الى نتيجة في تصنيفه لها هي حتمية، على اعتبار أن نوع التفاصيل يلزم بذلك، لكن وحدة الزمن بسرعة غير معتادة فيها تقوم بتغيير الموقف الحتمي الى ما هو بديل له، وفي قصة – رمي الجمرات – التي استعيرت عنونتها من سياقات الحج، نجد ما هو مألوف في البيت سرعان من جعله الزمن الدائري أن يكون منقوضا، حيث تغير برجاء من الابن الاصغر بعدم رجم الأم، التي كان الأب يدعوها بالشيطان .
العنونة ودلالات المتون
– اذا كنا قد عرفنا العنونة على أنها نص بلا ملامح، فالمتون القصصية هي نصوص تضج بالملامح المتعددة التوصيفات، وما من متن قصصي في جنس القص القصير جدا او في الاجناس السردية المجاورة بلا ملامح، وتلك من البديهيات، وقد قدمت لنا تجربة حسن برطال في قصص – كورونيات عُسْر الفهم – توافق بين النص الموازي الاشهاري والمتون القصصية، حيث شكلت صفة وباء كورونا حالة استعارة داخل المتون القصصية من العنونة الخارجية، وقد تنوعت ايقاعات الكتابة في المتون وتعددت الأفكار السيسولوجية عن وباء كورونا، وتعتبر القصة القصيرة جدا في فنها مثال نوعي لما في كورونا من تندرات واختلاف عارم في أنواع المفاجأة، وذلك ما يجعل القص اكثر عمقا في ما تتصف به القصة القصيرة جدا من أبعاد مثيرة أفلاطونيا وقد اشتغل حسن برطال على استغلال واقع كورونا فنيا، أي لم ينقله من الواقع الى المتن القصصي، بل جعل الصياغة الأدبية هي المثال الجديد للواقع، وقد انتقل بنا من قصة مثيرة الى أخرى أكثر إثارة من فكرة بارعة الى فكرة جديدة أكثر طراوة وأعمق متعة، ففي قصة – حالة تسلل – والتي تعتبر من أمتع وأهم القصص القصيرة جدا الضامرة نوعيا، والتي بها وبغيرها من القص الضامر يدرك حسن برطال أن العالم اليوم هو يعتمد على سرعة الضوء في بعض التقنيات الجديدة ولا بد من مواكبة الكتابة تحولات العالم الجديدة، وكما أدرك أيضا ما يسببه الوباء من اثر نفسي حاد، وهذا ما نجده قد وظف بالشكل اللائق أدبيا، فقصة – الأديب كورونا – هناك استعارة موفقة أدبيا، حيث سعى أن يعطي حسن برطال دفقا امتاعيا لقصة من خلال استعارة أدوات الأديب في الكتابة وجعلها تنيب عن الوضع النفسي الذي يعيشه البشر اليوم، واثني على ذلك الوي الذي ربط زمن الكتابة بزمن فرض على حياتنا واسع القلق والمخاوف، وقد الزم المتون ذلك الزمن النفسي العميق الدوران وفق ما تسعى اليه النهاية البديلة، وبذلك لم يكون لوحدة الزمن النفس التحكم بالتفاصيل اكثر مما أتيح لها، ومثلما نشهده في القصة القصيرة والرواية من سعة وعمق كبير .
الناقد الأدبي محمد يونس/ العراق