كتبت زاهية شلواي:
نجيب محفوظ رائد الرواية العربية الحديثة, من مواليد الجمالية بالقاهرة عام 1911 ,عاش في أحيائها و عبَّر عن هموم الناس باعتبار أنَّ الأدب لصيق بالواقع.نشر أولى رواياته “عبث الأقدار” عام 1939 ثم “كفاح طيبة” و “رادوبيس” و تعتبر هذه الروايات الثلاث ثلاثية تاريخية في مصر الفرعونية لإبراز أمجادها القديمة و توصيل تلك الفكرة للمستعمر
و اتجه بعد ذلك إلى كتابة أشهرثلاثية في الأدب العربي و حملت كل واحدة منها اسم حارة مصرية:”بين القصرين”و “قصر الشوق” و “السكريَّة” و اتسمت هذه الروايات بالأحوال الاجتماعية بما تحمله في طياتها من التعبير عن أحوال الشعب وهي روايات واقعية اجتماعية وهي من سمات الكاتب التي لازمته طوال مشواره الأدبي, ثم تلتها روايات “القاهرة الجديدة” و ” خان الخليلي” و “زقاق المدق”.
ثم اتجه بعد ذلك إلى مرحلة الواقعية النفسية في رواية “السراب” وما لبث أن عاد إلى التعبير عن أحوال الشعب في رواية “بداية و نهاية”.
و بعد ثورة يوليو 1952سكت نجيب محفوظ ودخل في حالة صمت وما لبث أن غير مجرى كتاباته فأصبحت الحقبة الناصرية هي المُلهم الوحيد له و كتب أشهر رواياته فيها و عبَّر عن مواقفه من الثورة و قضائها على أحلامه و الطبقة المتوسطة التي ينتمي اليها.فاتجه الى الرواية الرمزية بعد ذلك أي الواقعية الرمزية فكتب رواية “أولاد حارتنا” عام 1959 التي تختلف عمَّا سبقها من كتاباته لأنَّها لا تُعبِّر عن مشكلة ذات صلة بالمجتمع فقط بل هي كما قال الكاتب: أقرب الى النظرة الكونية الإنسانية العامة.الكاتب لم ينغمس في السياسة وإنَّما في انحراف الثورة عن مسارها و فشلها في تحقيق العدالة الاجتماعية هو الذي جعله يبدع عالمًا بديلا لواقع مُتسلط.
و قد توِّج بجائزة نوبل للأدب عام 1988 عن مُجمَل أعماله التي تتميَّز بأسلوب بسيط يُعبِّر فيه عن هموم الناس.
ورواية “أولاد حارتنا” صادرة عن دار الأدب في بيروت عام 1962 من أهم ما كتب نجيب محفوظ والتي نوَّهَت بها لجنة نوبل وقد أثارت جدلا كبيرًا و مُنعت في مصر و قد وجَّهَتْ بعض التيارات السلفيةللكاتب بسببها اتهامات وصلت إلى درجة التكفير.
تدور أحداث الرواية في أحد أحياء القاهرة في بيت كبير يعيش فيه الجبلاوي و أبناؤه و كان الأب يميل إلى أحد أبنائه و هو أدهم من زوجته السمراء مِمَّا أغضب ابنه إدريس الذي يثور و يتمرَّد على الأب الذي يقوم بطرده و زوجته من البيت فيشتغل خارج أسوار البيت تحت إدارة أخيه أدهم الذي أقنعه بضرورة الوصول إلى كتاب الميراث عن طريق فتح الخزنة .ضبط الجبلاوي أبناءه وهم يفتحون الخزنة فقام على الفور بطرد أدهم و خلف أدهم ولدان هما همام و قدري واحد منهم يقتل الآخر وما تبقى منهم ينجب ثلاث عائلات يخرج منهم أربعة أبطال.
من خلال هذه الرواية يشير الكاتب إلى الرمزية وهي فهم الديانات الثلاث و انتصار العلم ولا بد أن يكون هناك توازن بين العلم والأديان عكس اعتقاد البعض أنَّ رواية “أولاد حارتنا” هي خروج من الكاتب عن الملة . لأنَّ شخصية الجبلاوي كانت في تأويلهم ترمز إلى لله و البيت الكبير يرمز للعرش الحارة للكون بينما فسروا أدهم و زوجته على أنَّهما آدم و حواء وإدريس يرمز لإبليس جبل يرمز للنبي موسى و رفاعي يرمز للنبي عيسى و قاسم يرمز للنبي محمد صلى الله عليه وسلم و صادق يرمز لأبي بكر الصديق و عرفة رمز للعلم و ترتب عن ذلك أن تعرض لمحاولة اغتيال عام 1995.
لكن كل تلك التفسيرات سطحية لأنَّ رواية أولاد حارتنا و إن كانت تحتوي على خلفية اجتماعية مُستوحاة من قصص الأنبياء إنَّما الكاتب أراد أن يُبيِّن أن نسير على نهجهم و هي رواية فيها نقد للثورة فيها توجُّه فلسفي صوفي و بحث في أعماق الناس عن الذات الإلهية.ومن نفس المنهل ولدت لديه الرواياتالفلسفية: “اللص والكلاب”، “الطريق”، “السِمَّان و الخريف” و “الحرافيش”، وهذا كله نقد لاذغ لدرجة السخرية لتجاوزات النظام.