يحيى يوسف بلال
في هذا النص الشاعري العذب، تتجلى تجربة وجدانية عميقة ترتكز على ثنائية الذاكرة والحضور، بين الحنين والخذلان، بين الرجاء والخذلان المُغلّف بالشوق.
العنوان “طائر المساء” يفتح فضاءً دلاليًا رمزيًا واسعًا، فالمساء زمن التحوّلات الداخلية، زمن التأمل والاشتياق، والطائر هنا ليس كائنًا فقط، بل رمزٌ لفكرة، لشخص، لحالة شعورية لا تهدأ.
“زهرة وخنجر ودمعة”: هذه الثلاثية تختزل تناقضات الذاكرة والعاطفة، فـ الزهرة تُمثل الحب والجمال، الخنجر يرمز للخذلان أو الألم، و*الدمعة* دليل الحسرة التي لم تجف. هذه الصورة المركبة ترسم ملامح الحبيب العائد من الماضي، بوجهه الجميل وجراحه الدامية معًا.
الصوت كنسمة الفجر/ هدير الموج: هنا توظيف للطباق السمعي، إذ تجمع الشاعرة بين العذوبة والعاصفة، في إيحاء لحالة الحبيب المتناقضة، حينًا يربت على القلب، وأحيانًا يوقظه بعنف من سباته.
“يتلذذ بفيض خصالي”: هي لحظة عشقٍ حميم، حيث تمتزج الذات مع الآخر في ذوبان عاطفي كامل، لكن تتبعه مفاجأة إدراكية، فالحبيب لا يُقرأ كحاضرٍ فقط بل “ككتاب مفتوح”، فيه من الحماقة بقدر ما فيه من السحر، وهنا تكمن عبقرية التحول في النص.
“وسامات حماقاته النازقات”: هذه العبارة تحمل تهكمًا شفيفًا، فـ”الحماقة” هنا ليست مذمومة، بل محبوبة رغم الألم، وكأن الحب يضفي على الجراح وسامًا، وعلى الغياب لمعة!
زمنيًا: النص يتحرك بين ماضٍ مبلل بالدمع، وحاضرٍ يتراقص على حافة التذكّر. لا توجد قطيعة بين الزمنين بل ذوبان ناعم، يجعل من الذكرى كائنًا حيًا يعود ليلاً، بلا استئذان.
خاتمة:
“طائر المساء” نص يفيض بالمجاز والرمز، يحمل طابعًا أنثويًا رقيقًا، لكنه لا يخلو من مرارة التجربة ووعي الذات. تكتب عائشة المحرابي وجعها كأنها ترسمه بريشة، بجرأة ناعمة، وجمال يطعن برفق.
إنه نص لا يُقرأ مرة واحدة، بل يُتذوّق كسِرٍّ قديم، لا ينكشف إلا للمُحبّين الذين يعرفون جيدًا: أن بعض الحماقات لا تُنسى… بل تُحَنّط في الذاكرة بشغف.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية