لو تعلم..!؟
..أن المرأةَ تكرهُ بقدرِ ما تحب
..وأنا أنثى، تختلفُ عن كل النساء
..حدودي كل المجرات في حبي..إن أحببت
أين الوعود الكاذبة..أين قَسَمُك؟؟
(عنان محروس)
روائية، قاصة، شاعرة، وأديبة من الطراز الاول، تنتمي الى فصيلة الورود؛ إطلالة وأناقة، بهاء وتميزا. يراعُها يسكب حروفا عبقة، ما تفتأ تُزهر إذ عانقت سطح الأوراق، أداؤها هديل حمائم مكيَّة، أو قُل زقزقة عصافير ربيعية تشدو أجمل وأحلى الألحان.
طالما امتطت صهوةَ الرحيق، لتتسامى وتتعالى الى أقصى حد من الابداع والتميز. من يقرأ للروائية العربية المعاصرة “عنان محروس”، يجزم بأنها هي والإبداع صنوان؛ تتخلل إلى الذات البشرية، وتتوغل في أعماقها وتسبر كُنهَها، سواء ككاتبة، أم متقمصة لاحدى شخوص رواياتها، التي طالما أسرت القلوب قبل الأبصار .
” الإنسان”، بكل مكنوناته ومكوناته يشكِّل أكبر هَمٍّ لدى المحروس؛ فهو مركز الكون برمته. تدافع عن كينونته ووجوده. تكره الظلم والظَّلَمَة، وتكرهُ الفساق وسقط المتاع في أي مجتمع، كائنا ما كان. فمن خلال كتاباتها، تسلط الضوءَ على مكارم الأخلاق؛ فهي تنفي خصال، لتثبت نقيضها؛ فحين تَنقُدُ بعض السمات السلبية في مجتمع ما، كالتشرد وعمالة الأطفال ومعيشة اللقطاء، وغيرها من الصفات الذميمة، فهي تثبت أن عكس هذه الأشياء هو المطلوب. وحين تسلط الضوء على أمهات متسلطاتٍ لا يهمهن إلا الكسب وبأية وسيلة، فهي الآن تحارب هذه الصفات . وحينما تتطرق في كتاباتها، وخاصة في رواية ” خُلقَ انسانًا”، على سبيل السرد لا الحصر، فهي تربأ بنفسها عن سلوكيات مقيتة لبعض أصحاب المراكز وعليَة القوم في المجتمعات المخملية؛ فشخصية ” الباشا “، مثلا، هي المثل السيء لمن يستغل منصبه ليقترف كل شائن من الاعمال. تراها تحرص وتحض على مكارم الأخلاق بطريقة لا يلمسها الا كل متعمق في الأدب وفنون حرفته وصياغته.
من يقرأ للمحروس، يجد أن الكلمات تمَّت صياغتها بكل ذكاء واقتدار؛ ولن تجد كلمة شاردة عن النص، او لا تعني شيئا، ولعل هذا مرده خلفيتُها القانونية، التي تحتم عليها استخدام كل كلمة في موضعها اللائق والصحيح. فحينما تضع عنوانًا لرواية ” شيزوفرينيا- خلق انسانا “، فهي تمهد للقارىء، وتهيىء له الفرصة للتفكير والتفكر معا، بما يحمله النص الآتي بين دفتي الرواية. فمنذ الوهلة الأولى ، يدور القارىء في فلك جزئية من جزئياتِ علم النفس التي أولتها الروائية كثير اهتمام، ولا يستبعد أن تكون المحروس متعمقة في هذا المجال، كونه- علم النفس- يتعامل مع جل شخوص كتاباتها، ويكأنها تقول: آن الأوان ليرتفع صوت العقل على صوت الحناجر، ولتستقم الحياة سوية بلا انفصام ولا متاعب نفسية. فما أجمل أن يتحول العقوق الى رضا، والخيانة الى وفاء، وأن تكون الطفولة بخير، وأن يعم الحب البشرية جمعاء.
محروس، الشاعرة ذات الاحساس المتدفق السلس، لا تحرص فقط على حضور الأمسيات والأصبوحات الشعرية؛ بل تشارك وتضفي على الزمان والمكان عبقا من نوع آخر تجدها في الندوات مقدمة لقامات سامقة من أصحاب الفكر والتنوير؛ تكتب كثيرا لأن الكتابة عندها ذات شأن، وهذه كلماتها حرفيا: ” أنا اكتب كي لا يطال مشاعري فتك من تزاحم الهواجس، ألقي عليها التجلي والنور، فتتبختر أمامي فكرة، حكمة، أمنية، ومن الممكن نصيحة. أكتب لأن فاكهة الأبدية أثبتت فشلها في الخلود، ومحاولة الكيميائيين القدماء في انشاء ” حجر فيلسوفر” لم يقهر الموت، ولا بقاء في الارض الا لكلمة خير الى يوم يبعثون”. فهل المحروس تأثرت، أو كادت، بالروائية الامريكية أيميلي دكنسون؟
قيمة وقمة الإبداع لدى المحروس أنها تحرص على بث روح المحبة وعمل الخير للإنسان ، والتسامي بالأخلاق عاليا، فهي بحق تقوم بعمل المصلح الاجتماعي، ولو بطريقة غير مباشرة. تجدها تتألق في اللقاءات الأدبية والصحفية والبرامج، وتحصد الجوائز وتنال التكريم تلو التكريم، تخالط الآخرين بكل ود وتواضع، ولعل هذا ما يميزها عن الروائية الامريكية الانطوائية ” إيميلي دكنسون “، التي فرضت على نفسها عزلة تكاد تكون تامة، رغم انتاجها الثري، ولعل عزلتها أسهمت في غزارة ذياك الإنتاج.
تقول عنان ساعة هدوء وأريحية، كعادتها:
احرص على بياض القلب
احفظه نقيًا، كدرٍ مكنون
واتبع شريعة هابيل، لتنقذ بشريتك
ما عاش غير الحب، غاية وقانونا
كان ذلك غيض من فيض لمكنون الروائية والشاعرة والقاصة وكاتبة المسرحيات عنان محروس، فلعلنا في قادم الأيام نسلط الضوء على جزئية أخرى مما يسكبه يراعها النضاخ.