- هاشم خليل عبدالغني – الأردن
الشاعرة الجزائرية نعيمه بوسنه ، درست الصحافة وحاليا تفرغت لدراسة القانون ، حققت في الفترة الأخيرة حضورا قويا في عدد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والأدبية محليا وعربيا . وخاصة في تونس ومصر ، كما شاركت في المعرض الدولي للكتاب في العاصمة الجزائر ، صدر لها ديون شعر بعنوان ” إرهاصات قلب متعب ” وَتًعِدُ لإصدار ديوانها الثاني هذا العام.
نعيمه بوسته شاعرة شابة ، صاعدة بقوة سلم التميز الشعري ، في قصائدها الآسرة جمال أخاذ لا تعتريه شائبة . تمتلك أدوات ومقومات القصيدة الجيدة ، ( الموهبة والشاعرية والصدق والقصيد )، ففي قصائدها توافق بين المعنى والمبنى ، تُوصِلُ المعنى للمتلقي في أبهى وأجمل حلة ، كما يقول النقاد .
تجتهد الشاعرة نعيمة بوسنة ليكون لقصائدها شكلا ومضموناً خاصاً ، ولغة موحية معبرة ، تفصح عن ذاتها من خلال تميز بنائها اللغوي ، يقول رسول حمزاتوف :
( الإنسان الذي يقرر كتابة الشعر وهو لا يعرف اللغة كالمجنون الذي يقفز إلى نهر جارف وهو لا يعرف السباحة ) .
في هذه المقالة سنفتح نوافذ نطل من خلالها على قصائد للشاعرة الجزائرية ( نعيمة بوسنة ) …
ففي قصيدة ” لست امرأة من ورق ” تشبه الشاعرة وطنها الجزائر بالمرأة القوية الصلبة .. التي تتحدى الصعوبات وتقاوم الفشل والاستسلام بكل عزيمة وإصرار .
فالشاعرة تؤكد إن الجزائر ليست هشة ضعيفة بل صخرة لا تخشى الصواعق والرعود والأمطار، الجزائر ارض الإبطال محاربة قوية ضد الظلم والظلام ،الجزائر همسة دافئة نحو الأمل القادم ، وارض تحمل بذور التقدم في كل مجالات الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية .
فالشاعرة نعيمة بوسنة تؤكد أن هذا التقدم لن يتحقق للوطن إلا بالانتماء والانتساب الحقيقي لأرض الجزائر فكراً ووجداناً ، إلى جانب اعتزاز الأفراد بهذا الانتماء عن طريق الالتزام والتفاعل مع احتياجات الوطن ، وحمايته والتضحية لأجله .
لست امرأة من ورق.. أنا سيدة خانها الوقت
يوقظني الصباح .. حين يشعر أنني في ارق..
ارضي تحتوي بقايايا.. إنا نبض الصباح الطارق..
ذاك الذي يرسمني… كلما طرزت السماء
ارضي بنور البرق … إنا فيروزة العندليب
تذوب كلما ثمل العود … ويسافر في الألق
أنا نبض من قصيدة … تسعى لنخلي السامق
في قصيدة موضوعها ” عرس الشهيد ” التي نظمتها بمناسبة أول نوفمبر اندلاع الثورة التحررية الجزائرية ، تتحدث الشاعرة عن الشهيد الذي قدم روحه على مذبح الحرية ، ولم يبخل بروحه ودمه للدفاع عن ارض الجزائر والشهيد هو أكرم الناس وأعلاهم قدراً … إن الشهيد الذي قدم روحه لتزهر أرضنا بالكرامة والحرية والمساواة والتنمية في مختلف المجالات العلمية والاجتماعية والسياسة .
عرس الشهيد
عيون القلق ترقب
سافر الوريد في عصماء الفلا
وعيون الجوى تشرق في بهوك
لي صبح يغني للأريام وترقص
عند شهقة الراية البيضاء
لتزهر كل بوادينا .. ليغني
تقول الشاعرة لو عاد الشهيد الذي (سقط شهيدا من أجل التحرر والتقدم والاعمار) ، لبكى على حالنا وما حل بنا من هوان وتراجع في مختلف المجالات ، ولعاتبا عتاباً مراً على تخاذلنا وترخينا عن بنا مداميك البناء والاعمار والرخاء لوطننا ، الوطن ينزف بغزارة ، فما فعلتم من اجل المبادئ التي قامت الثورة على أساسها .
فالوطن ينزف بغزارة
عاد الشهيد ليصلي.. فيبكي
ويتلو آيات العتاب.. لأن كل صلواتنا ربما
كانت باطله … بأي عين رأيتنا
القلب تفقدنا ….وعانق صهوة الاغتراب.
وفي سياق النص .. تخاطب الشاعرة ” الشهيد ” بذكرى اندلاع الثورة .. اليوم نحتفل بالثورة احتفالنا ناقصاً لأننا لم نكمل مسيرتها ولم نحقق أهدافها ، لأن هناك من استولى على نتائج حصاد الثورة وجيره لذاته ، واعتبره حقاً مكتسباً له … وتتساءل الشاعرة أين الأحرار بلدي ؟ لمَ لم يتقدموا لتولي زمام الأمور وقيادة المرحلة ؟؟ !!
عذرا فعبق الشهيد … يعود نوفمبر
عذرا ….عرسك نقيمه ناقصا
لأن رقصات الخيول ولت
سل ذا الفؤاد …. لم خيل بوادينا
لا يسابق في حماك …
وفي نهاية القصيدة تقول الشاعرة .. نحتفل بالثورة ولم نكمل مسيرتها… ولكن صبراً يا أم الشهيد … غداً وغداً إن ناظره لقريب سيتعطر الوطن بدم الشهيد حرية وعمراناً وإنتاجا وتجدداً .
….. غنينا له … أيا وطني جاء عرس الشهيد
فما ….. صبرا يا أم الشهيد
غدا يعطر دمه …كل ترابك يا بيضا
ننتقل من الشعر الخاص الوطني للشعر العام القومي في شعر الشاعرة ( بوسنة ) .
تؤمن الشاعرة نعيمة بوسنة إيمانا مطلقاً أن قضية فلسطين ، قضية قومية بالدرجة الأولى ، ففلسطين جزء من الحوض العربي ، وتاريخها لا ينفصل عن تاريخ الأمة العربية .
من هذا الفهم ترى الشاعرة شأنها شأن الشعراء العرب ، أن قضية فلسطين قضية عربية ، نكبتها هي نكبة للأمة كلها وتحريرها يعني تحرير الأرض العربية من رقبة الاستعمار والمحتلين .
الشاعرة نعيمة بوسنة في قصيدة ( اغتالوا قلمي ) تتحدث عن الجرح النازف في فلسطين ، على لسان احد أبنائها ..كسروا أقلامنا ليمنعونا من التعبير عن عمق جراحنا ، وعن تشريدنا في بقاع المعمورة ، أباحوا قتلنا بدم بارد ، دمروا القرى والمدن واستولوا على أرضنا بالقوة ، وحين مت نبت العوسج على قبري دلالة على الرفض والمقاومة وعدم الاستسلام ، إنا الفلسطيني.. غدت حياتي بعد الاحتلال جحيم لا يطاق ، فانا وإخوتي وأمي وأبناء شعبنا مشتتين في مخيمات الشتات منها مخيم نهر البارد (لبنان ).
اغتالوا قــلـمي …..
صــادروا دمـــي
فــنـبـت العــوسـج عــلى
فـــوهـــة قــــبـــري
أنــا فــلــسـطـيــني
عـــنــوان بــيــتـنـا
أمـّــي وأطــــفـالــي
صـــغـــارا كـــانــوا
مـــخــتـبــئــين فــــي
مـــخـــيــم بـــارد
وتواصل الشاعرة نعيمة بوسنة حديثها عن فلسطين على لسان احد أبنائها ، إنا فلسطيني من حيفا ويافا جذوري ضاربة في عمق التاريخ في ارض أبائي وأجدادي الكنعانيين الذي بنو مدن فلسطين التاريخية ، إنا الأصل وهم الطارئون ، وصيتي لكم رعاية أم قهرتها الأيام وشردها الاحتلال ، كما أوصيكم بأولادي الذين تركتهم حفاة عراة جوعى ، بل معيل بلا مال ، كما أوصيكم بتعليم أطفالنا فهو اللبنة الأساسية لغرس الوعي وتغذية وجدان وعقول أطفالنا بالثورة والعودة والتحرير .
أنــا فــلــســطــيـنـي …مـــن حـــيــفا …مـــن يـافــا
وصـــيـــتــي … وصـــيـــتــي
بــأمّ تـنــاءت بـــنــيـــف
درّســـوا أطـــفــالـــي
تـــركــتهـم بلا خــــبــز
ونـــعــالــهــم قــديــــمــه
تركت لكم عنواني على قبري .. شجرة عوسج تدمي بشوكها أقدام العدو المحتل ، عنواني شجرة زيتون غرستها أمي في أرضنا الطاهرة ، آخر طلباتي غنوا للوطن للحرية حين يقبل ربيع النصر والثورة ، غنوا لأطفال فلسطين .. لأطفال العرب أن الأرض لن تسترد إلا بالقوة .. بالقوة فقط .
تــركــت لــكـم عـــنــوانـــي
تــركــت لــكـم عـــنــوانـــي
عــــلــي قــــبـــري
مــن زيــتــــونــة يـافــــعــه
غــــرســـتــها أمّـــــــي
هـــل أزيـــد لـــكـــم
آخــــــر طــــلـــبـــاتــــي
غـــنــوا حــــيــن يــورق الـــربــيـع
فـــي وجــوه أطــــفـــال.. ..؟؟
في قصيدة ” دنا من دمي ” تتحدث الشاعرة عن شخص يحس باليأس والإحباط ، لا يقوى على الاستمرار في الحياة ، فالوجع ملازم له ظله .. ويفهم من القصيدة إن هذا ( اليائس) شديد الحزن ،أفكاره سوداء ، مزاجه متقلب ، فقد الثقة بنفسه ، يحس بالإحباط والتعب الدائم … فهو يحمل جانباً من الكآبة والجزع .
إن الشاعرة تريد أن توصل رسالة للمتلقي ولكل من يشعر باليأس ، أن الشعور باليأس والقنوط … ( سَـدّ لباب التفاؤل والأمل، وتوَقعٌ للخيبة والفشل، واستبعادٌ للفرَج بعد الشدة، واليُسْر بعد العُسْر.. وتغييبٌ للرّجاء في رَحمة الله وعفوه وغفرانه ).. إن سهام الألم تميت في القلب نسمات الأمل ، حتى لا يزهر الحب في نيسان وتستمر لعبة الوجع … فكثير من الناس يعانون من إحباط دائم دون أن يعرفوا ذلك .
دنــــا مـــن دمــي … ســهـم القيامة فــرمــى
بــعــقــارب الــوقــت ســـهــمـي.. مــا بــال الأغـــانــي
تـــُمِــيـتُ فــي فــــمــي.. شـــهــقــــة الــــمـــلـح
حـــتـى لا يـــزهــر بعـد شــقــائـي ..
نـــيـســان لـــعــبـة الــربــيـع .. وأنــا اشـــتــهــــي
لــــعــبـــة الــــبـــحــر الـــذي …يـــلاعــب ضـــفــائـــر الــمـــوج … فـــيـرقـص الـــرمــل عــلــى
وقـــع وجــــعــــي… وأنـــا انــتــظــر قـــدومــــه
مـــــن وراء هــــوســــي.. صــار الـــبــحــر يــقيــني
ولـــعــبة نـيــسـان ..تـــعــبــث بـــدمـــي .. فــيــسـتفيــق الــبــحـر …عــلى رنـــيـن وجـــعــي
الخير .. ر
وننتقل للون آخر من إشعار ( نعيمة بوسنة ) الشعر الوجداني .
نلمح ذلك جليا في قصيدتها الحوارية ” هل أنت مستعدة ” ( حوارية بين عاشقين ) فالنص يحمل – من خلال علاقته بمتلقيه – دلالة تفاعلية حوارية.. فالقصيدة في مطلعها قائمة على الحوار ، حيث يدور حوار شعري مباشر بين حبيبين ، غلب على هذا الحوار طابع المناجاة والوجد .
فالشاعرة تفتح للمتلقي باب الولوج لمحراب القصيدة ، (التي تتبدى وكأنها جلسة هادئة بين عاشقين ، يتبادلان البوح العاطفي في لحظة حب صادقة ، إذ يمكن للمتلقي أن يطلق لمخيلته تصور ما يمكن أن يصل إليه كلام العاشقين الذي يعبر عن الحب الذي تعنيه الشاعرة ، وهي تحاول أن يبلغ ذروته ، وهو حب لا يحد بمدى ، كما لا يؤطره مكان ) .
يبدأ الحوار بسؤال الحبيب للحبيبة ، فتجيب على السؤال بسؤال ، فيجيبها بتأكيد حقيقة تمكن الحب من نفسه ، فيطلب منها أن تختفي وتستتر داخل دمه ، كي يحافظ على تكامله وقيمته وسلوكياته ، ويحافظ على أفكاره في مختلف المواقف ، قالت خبئني كما تحب ، وبذا تنتقل الشاعرة من التعميم إلى التدرج في توصيف هذا الحب ، الذي يتمظهر في حالة شعورية تلغي كل الحواجز ، (خبئني كما تحب ) فأنا عندما يحل المساء أرقص بطريقة غير إرادية دون الشعور بالحرج أو الارتباك وبدون حياء .
قال :هل مستعدة أنتِ ؟
قلت له..!! لمَ ؟
أن تختبئي في دمي
لتكتمل هويتي.
قلت: خبئني
أنت كيف ما تشاء…
لأنني. . عندما يأتي.. المساء أرقص. .
فأتخلى….. عن خجلي
فالحالة العشقية لم تعد علاقة حب وحسب ، بل هي حالة تعلق وصل حد التماهي بالمحبوب ، ليكون التلاشي والانصهار للوصول لذروة الحب المادي الروحي ، الدال على الوله بالحبيب .
ليطمح الليل… في الوصول.. لسدرة المنتهى
وأنا.. أغوص في المدى أبحث عن عروقك
كي لا ينزف الجفن
فنتأخر عن موعدنا
تواصل الشاعرة حديثها مع حبيبها ، فتلتمس منه أن يخبئها بكل يقظة وحذر وسكينة في عروقه ، حتى تصل لحالة خاصة بين الأرق والنوم ، إلى أن تقول نعم .. أنا منذ زمن بعيد أقيم بعروقك وأسافر في رحلة حب وعشق في دمك .
خبئني. . في هدوء
حتى يحين منتصف سهادي
نعم..أنا منذ أن تيتمت الأرض
وأنا مخبئة. . ومسافرة في.. دمك
مما تقدم يتبين أن نعيمه بوسنه شاعرة مـلتزمة بهموم الأمة الاجتماعية والسياسية الوطنية والقومـية ، مواقفها الـقومية والـــوطنية تتسم بالــحزم والصدق، وهــذه المواقـــف تتطلب صراحة ووضوحاً ، كما إن محور قصائدها يدور حول معالجة القضايا الـــوطنية والـقومية والاجتماعية إلى جـانب قـصائدها
الوجدانية ( الغنائية ) .
أتمنى على الشاعرة نعيمه بوسنه أن تعمل على الربط بين الفكرة العامة والفرعية ربطا محكماً .. وأن تولي في نصوصها اهتماماً خاصاً للصور والأخيلة ، مع خالص تمنياتي لها بالنجاح والتميز .
هاشم خليل عبدالغني