آفاق حرة
بقلم:بقلم الروائية ثريا السيد على
يجد (ويل) أن الفرق بين الرواية والنوفيلا هو أن الرواية تحتاج إلى مساحة أكبر من الأفكار والخطوط المتشابكة لكن حين لاتحتاج إلى كل ذلك فلأنها ببساطة نوفيلا لقصة مليئة بالشعور دون أن تكون نموذجا مطولا عن القصة القصيرة أو نموذجا مختصرا عن الرواية وهذا ماوضعنى فى حيرة شديدة حين قرأت التجديد الذى فعله الأديب الروائي نشأت المصرى اثناء قراءة رواية بونابرته وهى رواية تحمل رقم 13من مجمل مائة رواية وكتاب ، وصدرت عام 2024 عن دار النابغة
تجربة الروائي نشأت المصرى الصحفية وكتابته للشعر والقصة والمسرح أثرت بشكل كبير على كتابته وعالمه الروائي الخاص به ، و ربما لهذا التعدد والتدرج والاجتهاد فى كتاباته المتعددة والمتنوعة أكسبته خبرات معرفية ونفسية وحياتية وثقافية وظفها خير توظيف ، اتسمت أعماله بالوصف الشاعري ، وكتابة الجمل الخبرية الواقعية كما اتصفت بقوة الكلمة وتأثيرها العالي مع تركيز شديد فى السرد ولغة الحوار وعمق القضية والتحليل الجيد للأحداث والشخصيات أما عن تصنيف نوفيلا بونابرته يصعب بالفعل تصنيفها لأنها متنوعة وثرية بالأحداث وتحمل فى طياتها عنصر المفاجأة والصدمات المتتالية تاريخيا واجتماعيا وسياسيا وواقعيا ، وتتسم بالتفاصيل الدقيقة للأحداث والشخصيات والأماكن ، جاءت بسرعة إيقاع للأحداث مدهشة وشدة وقائع القتل الدائم للمصريين وتدفق أنهار الدماء واغتصاب النساء والنهب ، فتداهمنا جملة إفتتاحية فى اللوحة الأولى للرواية ، نتوقف عندها كثيراً ونفكر بعمق ودهشة
المجد لله ولنا ، والوهم لهم
حين قرأت تلك العبارة تحددت لدى ماهية الصراع بالرواية بين الشر والخير . أما
الزمان فقدتم تحديده 1798 بدخول الحملة الفرنسية إلى مصر . يقول بونابرته :
لست قلقاً ، لقد قرأت البحر والبحر أستاذ الذكريات أسمعه الآن .
يستهل الروائي نشأت المصرى روايته بالتعريف، فبونابرته في التاسع والعشرين من عمره ، ساق جحافل الجيوش الفرنسية بأربعمائة سفينة والعديد من الجنود والبحارة والعلماء وحملة لم يعرف أى منهم مسارها إلا بونابرته ، ولم يخبرهم إلا حين ألحوا عليه كثيرا فأخبرهم وفى اجتماع كبير خاص لا تسمعه حتى طيور البحر وحين ظهر عمود السوارى بالاسكندرية قال :
نحن باتجاه الرعاع المصريين .
وكانت أوامره أشربوا من مائهم ودمائهم
وهو يستمع إلى الموسيقى والأغنيات الحماسية، مكملا،
حتى يقبل تراب مصر أقدامنا
هى إذن صدمات وجلدات متتالية للقارىء حتى يفيق ، مع إلقاء اللوم على التخلف والجهل من شعب عظيم وعلى حكامه الضعفاء من المماليك والعثمانيين وعن عجزهم المخزى عن رد الاحتلال الفرنسى .
وقد جاء غلاف روايه بونابرته باللون البنى دلالة على الصراع الدائم واسم بونابرت باللون الأحمر الدموى دلالة على القتل الجائر وتم رسم عديد من الشخصيات المصرية المستكينة فى دلالة على الحياة المستمرة والمقاومة الدائمة والنفس الطويل للحياة ، جاء الغلاف مناسباً للموضوع ،
مايهمنى هو الحقيقة أثناء قراءة الرواية وجدت تكثيفا مدهشا للأحداث، واختصارا للمسافات ، وتوصيفا ورؤية عظيمة للأبطال وللمقاومة الشعبية محمد كريم ، مصطفى الخادم ، وبهية وأمها، ومن خلال جمع الأهالى فى آخر الشارع وتوزيع البنادق المتاحة والخناجر والرماح
ونتوقف قليلا أمام
لحظة الغروب الملونة العاتبة ، فقدأحمر جفن الأفق غضبا من أجل ألوف الفراعنة الجدد الذين فاضت أرواحهم وكتبت الطيور الحزينة فى الهواء :
-وماذا بعد؟
يطرح هذا السؤال فحوى القضية المهمة مرة واحدة ، ويثير التساؤل الدائم والدهشة فى ذهن المتلقى .
لا خير فى رواية لا تثير الدهشة والتساؤل ، ويظل التساؤل يطاردنا حتى نهاية الرواية
وماذا بعد؟
وعن اللغة :
جاء السرد بلغة عربية رصينة فصحى بدون فذلكة أو تورية مصطنعة، وبلا تكلف ، تفيض بالمشاعر الإنسانية كماحدث تطويع للغة
الحوار ،
فالحوار بسيط وسلس عبر عن نفوس الشخصيات وساعد فى تصوير الأحداث داخل الرواية ، وكشف عن طباع الشخصيات .
فى النهاية نجح الكاتب الروائى نشأت المصري فى توصيل الرسائل الآتية بقوة:
كيف ترك الشعب رجلا كهذا يعيش فى ذلك البذخ و يبنى هذا القصر؟
شعب لايحاسب حاكمه على البذخ يستحق الفقر والمذلة
لا تخف سيحمينا جهل المصريين وفقرهم وتخلفهم
اشربوا من مائهم ودمائهم
كلا كلا تحيا فرنسا لنا السماء ولهم الجحور
قول محمد كريم ،انشغلنا بصراعات المماليك والباشا ، ولم نعلم الشعب، ولم نجعل مصر قلعة صناعية. ولم نبتكر سلاحا.
قول بونابرت :معنا من الرصاص أضعاف ما معهم كما ان أسلحتهم متخلفة وبائسة .قال الثائر:
الفرنسيين أشرس من الثعابين يا بهية.
وفى النهاية رأيت بلورة سحرية مصنوعة من كلمات مبهرة ورؤى واضحة ومشاهد متتالية عن آثار الاحتلال الفرنسي ، ورأيت القائد بونابرته القصيرالقامة المثقف الذكى الماكر النهم للحياة الانتهازى الخائن المتمتع بممارسة الجنس مع بولين زوجة الظابط فوريه وفى النهاية يتخلص منه بارساله بخطاب مغلق ليرحل به ويسلمه للإدارة فى باريس ليتفرغ لزوجته ، شاهدت بونابرته الداهية ومحاولاته لتحقيق طموحاته العسكرية وتوسيع امبراطوريات فرنسا الوهمية بأنهار من الدماء وأجساد قتلى من المصريين ملأت شوارع الاسكندرية والقاهرة واغتصاب النساء وقتل الأطفال والرجال العزل بلا شفقة ولا ضمير وإهانة الأزهر ودخوله بحوافر خيوله إلى جامع الأزهر ودكه وإعدام شيوخه ،ومع انطلاق الرصاص فى صدر وقلب المناضل محمد كريم تأوهت الريح وتأوه النور وتأوهت الأرض تحت قدميه ولم تتحمل الطيور المشهد وصبغت الفضاء بولولاتها ، وكما بدأت الرواية بالمجد المزعوم تنتهى ببونابرته خارجا من مصر حاملا الوهم والهزيمة فى عقله سائرا فى النهاية متسللاً تاركاً جنوده لحروب أخرى وتاركا الحسرة للبطل مصطفى الخادم الذى فرشت دموعه ودموع أصحابه رمال العجمى لأن نابليون رحل سالما بعد أن قتل عشرات الالآف من المصريين واغتصب الحرائر، ونجس تراب مصر
ويبقى السؤال لكل الأجيال القادمة