هوية المهاجرين المغاربة . مقاربة الباحثة ماجده بوعزة بين النظرية والتجربة .

كتب: وائل الزهراوي .

_ إن إندماج الذات في الترات شيء , واندماج التراث في الذات شيء آخر . وأن يحتوينا التراث شيء , وأن نحتوي التراث شيء آخر .

وعليه تكون القطيعة التي ندعو لها ليست مع التراث, بل مع نوع العلاقة مع التراث . تلك القطيعة التي تحولنا من كائنات تراثية إلى كائنات لها تراث . !!

( نحن والتراث . الراحل الخالد : محمد عابد الجابري )

_ وفي كتابه( أوهام الهوية ) يذكر البرفيسور والمفكر ( داريوش شايغان . Dariush Shayegan ) نقلاً عن إيميل سيوران . Emil Cioran . الباحث والمفكر الروماني المولد الفرنسي الثقافة والوفاة قولاً بالغ الأهمية مفاده :

((( كلما ابتعدنا عن التغريب اندمجنا أكثر في البيت الأبوي . وكلما صحونا من إغواءات التقدم عدنا إلى الأصل الثابت للمفاهيم . وبذلك نلوي خطّية الزمن بإعادته نحو عمودية الإنطلاق !؟ . وعليه كلما انخفض مستوى التغرب أو الإنتماء الثنائي كلما تأصلنا في الجذور . فالأصالة إذاً هي مقياس الوفاء لنمط الإنتماء؟؟ )))

_ تبدو أقوال سيوران مدخلاً جيداً لتناول كتاب هوية المهاجرين المغاربة , من حيث أن الإشكالية المركزية التي يطرحها الكتاب تكمن في محاولة الإحاطة بمجمل التحديات الثقافية والإجتماعية التي تواجه المهاجرين المغاربة ومحاولة قياس مدى تأثيرها عليهم على الصعيد الذهني الجمعي العام , والشخصي الفردي الذاتي .

_ و الكتاب يتناول عدة مفاهيم تحاول تعريف الثقافة التي تعتبر هي الحامل الأول لمعنى الإنتماء وإنعكاسه أيضاً لأهميتها في السياق والدلالة .

ومن خلاله تشير المؤلفه إلى أن قسمة الهوية إلى هويات تراتبيه : فردية وطنية قومية . يمكن الإعتماد عليها لفهم أكثر عمقاً لتأثر وتأثير المهاجرين من خلال محيطهم وفيه .

لكن ما أود الإلتفات إليه هنا هو مسألة تشخيص علاقة الهوية بالإنتماء في مواجهة التحديات التي تواجه المغاربة في المحيط الألماني كما عبّرت عنه الباحثة الموفقه .

والواقع هنا أن الإشارة التي صدرت وصُدّرت عفواً وقصداً من خلال مراجع كبرى ومؤلفات أصبحت أركاناً , تفيدنا جميعها بأن الهوية المغربية والذات المغربية تعتبر في عالمنا العربي مركزاً داخل المركز !

والذهنية المغربية التي اعتدنا منها على إثراء الصواب والتعمق في فهم الذات الجمعية والفردية على الصعيد الوطني المغربي وعلى صعيد الأمة العربية , لاشك أنها تعكس حالة انسجام طويل الأمد في الفكر المغربي / ونعني هنا المغرب الوطن ذاتاً وليس كما نفهمه نحن المشرقيون أهل الشام بأنه يضم المغرب والجزائر و تونس / ذلك الإنسجام في النتاج جاء من خلال المثابرة العامة على التفكر في بلورة سبل فهم الإشكاليات الكبرى إن كان على صعيد الإنتماء والتفكير وإن كان على صعيد الممارسة والتأطير .

ومن طه عبد الرحمن والجابري ومحمد سبيلا ومحمد وقيدي وقبل كل هؤلاء الأكابر إبن باجه والبطروجي والسبتي , نلاحظ ونقف منأسري الحواس نحو ذاك الإشراق الذي يأتينا دوماً من المغرب العظيم .

_ وعليه :

تكون مسألة الإختلاف الثقافي التي طرحتها مؤلفتنا كمعضلة بالغة الأهمية, لأنها ستحدد طبيعة تعاطي المهاجر مع البيئته الأجتماعية من جهه , ومدى عمق الإرتداد للذات كردة فعل نكوصيه عكسيه تكون في كثير من حالاتها أبعد غوراً وتأثيراً مما ترصده الأبحاث القليلة في هذا الحقل البكر من جهة أخرى .

_ والواقع أني منذ سنوات طويلة كنت أحاول قراءة التجربة المغربية على أنها الخلاصة الأكثر رقياً لتطور العقلانية العربية .

من حيث أن هناك عوامل عدة تآلفت حتى شكلت حالة نجاح مورفولوجي على صعيد استحضار الغائب والنطق بالمسكوت عنه, ومنه إستناد الذهنية المذهبيه العامة في المغرب للفقه المالكي , ومالك الإمام الجليل بالنسبة لنا كمشرقيين يعتبر أبو الرأي الغير محبب شافعياً وحنبلياً . ومن حيث أن طبيعة التماس مع القارة المعنيّة / الأوربيه / المتراكمٌ منذ أزل بعيد لا بد أنه أسس لفهم أوسع لأدوات التواصل مع الآخر البعيد القريب .

ولهذا أرى أن الكتاب يشكل أنتباهةً مهمه في محاولة فهمٍ معمق لتأثير المحيط على رؤية الذات المغربية للآخر والعكس صحيح .

ويؤسس لرؤيةٍ أكثر عمقاً للتأكد من واقعية المسميات التي نستعملها حين نريد أن نشير لمسألة الإنسجام مع طبيعة مجتمعٍ ما ونعني هنا الإندماج أو التعايش على أختلاف الكلمات وتوحد المعاني .

_ ثم وفي خضم الإشكاليات التي تعددها بوعزة تبرز مسألة الإنسجام الثقافي العائلي في مقابل حالة الفردانية التي تشكل معظم ملامح المجتمع الألماني من الناحية السيوسولوجية .

_ حيث أن هذا يقودنا لإنعطافةٍ أخرى تبدو أيضا حامية الوطيس , من حيث السؤال الذي يتبدى هنا مخيفاً :

_ هل أن الهوية الثقافية التي نتحدث عنها نعني بها الجيل الأول الذي يصل ويصارع آتون الإختلاف ؟ أم أننا نعني به أيضاً أجيالاَ ولدت وكبرت ونمت في ذات المحيط وأمسى المعرف العقلي لديها هو لغة البلد الحاضن أكثر منه البلد الأم الذي ينتمي إليه الأصل ؟

_ وتحاول الكاتبة أن تجيب على ذلك من خلال شد الإنتباه إلى أن مسألة توثيق الإرتباط بالبلد الأم باستعمال عدة أدوات يأتي في مقدمتها التماس الدائم من الثقافة من حيث الإنتاج والميراث الكبير .
وقد ذكرت منها الكاتبة ما يكفي . و كان كرم العائلة المالكة / مولانا الحسن ولي العهد ومولانا جلالة الملك محمد أطال الله بقاءه / في المغرب وافراً لجعلها أساساً يُبنى عليه استمرار تشكل الهوية الأصيلة للوطن الأم بالتوافق مع الهوية الإجتماعية الألمانية وترادف الأجيال تباعاً .

 

_ الحقيقة أن طرح موضوعٍ شائكٍ كهوية المهاجرين المغاربة يحتاج لتتابع العمل والمثابرة . وتنمية الأسس التي يمكن أن تحدد معايير الصواب .

إلا أنني من خلال إستعراض الكتاب ككل أقول :

_ نحن أمام بحثِ متفرد أنجزته باحثةٌ محريره , استطاعت من خلال محاولة الإجابة على السؤال الوصول إلى أفقٍ يبدو مزدحم التساؤلات ويكتنز الكثير من الإجابات . كتابٌ لا يقدم إضافة فقط بل يؤسس لرؤية معمقه للذات والآخر والأتي .

وعليه يكون إكمال الكتاب وتقديمه لنا بحد ذاته عملٌ جليل الأهمية من حيث العموم , ونتاجٌ فريد المحتوى من حيث الخصوص .

_ إن الهوية المغربية لتتصدر الإشراق من حيث أنه دأبها الأبدي الذي لن تحيد عنه أجيال المغرب الخالد في ذواتنا .

ومن إثباتات ذلك ما نعاينه اليوم من كتاب الباحثة ماجده بوعزة حيث نرى أن شمس المغرب لا تضيء فقط مواسم الفكر في عالمنا العربي وحده , بل تستطع أيضاً لتنير دروباً عالمية كم كان المغاربة جديرون بأت يكون حملة الضوء فيها وقادة المسيرة
وعليه يكون إكمال الكتاب وتقديمه لنا بحد ذاته عملٌ جليل الأهمية من حيث العموم , ونتاجٌ فريد المحتوى من حيث الخصوص .

_ إن الهوية المغربية لتتصدر الإشراق من حيث أنه دأبها الأبدي الذي لن تحيد عنه أجيال المغرب الخالد في ذواتنا .

ومن إثباتات ذلك ما نعاينه اليوم من كتاب الباحثة ماجده بوعزة حيث نرى أن شمس المغرب لا تضيء فقط مواسم الفكر في عالمنا العربي وحده , بل تستطع أيضاً لتنير دروباً عالمية كم كان المغاربة جديرون بأت يكون حملة الضوء فيها وقادة المسيرة .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!