وجهة نظر في إصدار لأجلكِ باح الصخر في الجنوب د. مصطفى المعايطة

وجهة نظر بقلم الروائية عنان محروس

أتعلمين ماذا؟…لم ينتهِ الأمر بعد
عبارة صارمة أنهى فيها الأديب الطبيب مصطفى المعايطة، فضاءات انعتاقه من إصدار، لأجلك باح الصخر في الجنوب، والعنوان الجيد أفضل عتبة معرفيّة للكتاب ، فهو روح العمل ونافذة مشرّعة للتأثير بنسماتها على المتلقي، العنوان المباشر للإصدار عتبة عالم النص وجزء من فهم محتواه، فهل البوح منفذ لبداية جديدة؟، أو ربمّا محاولة من الكاتب ليهتدي المكلوم سواء السبيل فتُفتح الأبواب الموصّدة بأقفالِ وجعٍ حُكم بعدها على الطريق ومرتاديه بالعزلّة والسجن

الإصدار صرخة مكتومة أُطّرت بزخرف الدعابة وبشاشة كلمة اللهجة البيضاء للحكيم الحنون القاسي والجنوبي الأصيل، خاضَ موجات صقيع الفراق، فأطلقَ صيحات على الأطلال، حتى يحيل أسواط المعاناة إنعكاسات مرتدّة، لينال الكاتب بعض الرضا، فمن المنطق أن يتشاركا السبب والمسبب، نفس الألم، وتحمّل المسؤولية عمّا آلت إليه مصير محطات الحياة، وتقسيم الأعباء يريح الكاهل، داعيًا لنبذ النسيان وإعادة الذاكرة إلى أوج الحياة، في ظل إجرام الحرمان والواقع المرير حيث امتدّا بقسوة لاحتساء مابقي من أمل، بشراهة ودون رحمة

لملّم الكاتب الطبيب عتبهِ في بوتقة تنهيدة اختصرت المسافة بين الشباب والشيب، وبين الموت والحياة، ثمّ عاد إلى لحظة وعي ، فصهر تجربته من خلال وثيقة تضمّنت ملخص خبراته ومذكراته ورسائله الغرامية، قدّمها كبطاقة تعريفيّة عن معاناته، وقادته عصف جرأة الاعتراف إلى تكوين الشخصية المحترمة المتكاملة، البعيدة عن وحي الغرائز، والاعتراف أدب وفضيلة، قوة وشجاعة أظهروا النضج والمسار القويم للتعلم والنمو العملي، ومهما بلغت نوعيّة ورطة التجربة، يظل فضلها قائمًا، فهي من أنمّت فطوّرت وصقلت، ثمّ قدّمت الرؤى لاستكشاف العلاقة السببية بين المتغيرات في الحياة، والأهم اكتشاف الذات وتعميم الأخطاء لتفتح آفاقًا أوسع، وكما يقال اسأل مجرّب ولا تسأل حكيم

ومابين الاعتراف والسبيل المحاط بعقبات العمر، وقصة الحبّ الحزينة، برزت قيمة العقل بعيدًا عن العاطفة والتصاق الأخلاق بالإنسانيّة، وجلال قدر العشق النقيّ عند الرواي لقصص مفعمّة بالمشاعر الجيّاشة، وبأوهام الخيارات المعقّدة، حيث أجاد الأديب د. مصطفى تشكيل مؤشرات لصور ذهنيّة روائية، تدفع القارىء لتشريح المواقف وطرح التساؤلات والاقتراحات المختلطة بأحلام مستحيلة، لتقود الحكاية إلى مخاض قابل للفرح، وإلى سماء صافية وروح عالية الإيقاع، لتبديل الظروف كما شاءت الجاذبية لعلاقة أبدية حقيقية

يأخذك الإصدار بسلاسة رهيفة، سرد شيّق وشاعرية جليّة ، فيشك المتلقي بأنّه يقرأ فقط، يناظر بعينيه المشاهد، وتُعرض أمامه على طبق الحقيقة متربعةً فوق شاشة عملاقة تكشف الخلل
تنوّع الموضوعات جعلت من فن رحلة القلق الوجودي مشهدًا متقنًا، نسجَ الحدث بأبعاده المجتمعية والصراع الطبقي الوهمي، فكان مقياس جمال النصوص ليس في تعقيدها، بل لأنّها تحوّط المتلقي بسهولة دون هدم للأسس الإنسانية السلوكية

يثير الإصدار الجدل في التصنيف، لكن مقارنةً بتبختر الأفكار والحكمة والأمنيات وفاكهة تدفق الإحساس، فقد فقد التصنيف أهميته بوجود كل ماسبق من عناصر متنوعة وفعالة مع بقاء الخطاب المباشر لها هي، الحبيبة المستترة في كل الظروف والأحوال، وتجميع أحجيات قصة الحب، يدعوك لفهم النعوت والدوافع والمبررات المتكررة عبر الزمن
في النهاية أتمنى أن ينال الإصدار الأول للأديب الطبيب كل النجاح، وأن يكون فاتحة لإصدارات جديدة بإذن الله.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!