يا ظريفَ الطّول  بقلم ماهر باكير دلاش من الأردن

  كتب : إبراهيم يوسف – لبنان

 

يا ظريف الطّول…وقّفْ تا قلك

رايح ع الغربة.. بلادك أحسنلك

 **********

هذه التحفة تعُودُ ملكيتها

 للكاتب ماهر باكيردلاش

من الأردن دون سواه

 وجدتُها مركونة

 في زاوية من زوايا بعض المواقع

يعلوها الغبار

ولم يُسَلَّطَ عليها مايكفي من الضوء

 لتبدو على حقيقتها وأهميتها

 ولئن كان توفيق الحكيم أعاد كتابة

بجماليون.. وإيزيس وأزوريس

وراسين قد أعاد كتابة أندروماك

 فيغدو من حق بائس ومتطفّل.. مثلي

أن يعيد حكاية (بائس) آخر كالأخ ماهر

  هكذا أعدتُ كتابة يا ظريف الطول

 وفق رؤيتي المتواضعة

ومن باب النقد الأدبي المجرد

الخالص من كل منفعة.. وعيب

 لكن ملكيتها تعود أولا وأخيرا

 إلى كاتبها وصاحبها وحده

 ولو شاء أن أجيِّر له صورة النص الجديد

 لغدا النص من حقه وملكيته بلا منازع

 

 

******************* 

“فلسطينية العينين والوشم 
فلسطينية الإسم 
فلسطينية الأحلام والهم 
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم 
فلسطينية الكلمات والصمت 
فلسطينية الصوت 
فلسطينية الميلاد والموت”

محمود درويش

 ***********

يا ظريف الطول؛ هذاالسِّفْرُ المجيد لأشهر حكايةربما؟ في تاريخ التراث الفني الفلسطيني؛ تتلخص بهذه الأغنية التي تردّدتْ على كل لسان وهفت لسماعها كل القلوب؟ كفرقة “حنونة ” على سبيل المثال لا الحصر، التي تكونت على عاتق الفنان موسى حافظ من العاصمةالأردنية – عمان؛ نظرا للتلاحم والتعاضد التاريخي في كل المجالات بين الشعبين الأردني والفلسطيني،فهما في الأساس شعب متناغم ومن أصل واحد. لكن يبقى السؤال ما هي رمزية “ظريف الطول”؟ ومن هو هذا الشاب المهيوب الذي شغل قلوب العذارى على مر الزمن..؟هل هو شخصية خيالية أم حقيقة واقعية.. أو؛ من يكون..؟

تضاربت وتعددت حوله الروايات وبلغت حد العجائب والأساطير..؟فمنهم من يعزو شخصيته الحقيقية إلى فتىً عايش الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني، وكان شابا ملتزما عميقا في إيمانه وعقيدته وقضايا وطنه وأمته، يتّصف بالورع وحبِّ الأرض والوطنية الصادقة.وفي سليقته موروث الحياء الفلسطيني النبيل.”فيغضي حياءً.. ولا يُكَلَّمُ إلا حين يبتسمُ”.

إضافة إلى ثورة الحجر والسكين ضد المغتصب الغشيم لأرض فلسطين، الذي زوَّر في أصناف طعامها وأزياء لباسها وآدابها وفنونهاوكل تاريخها الطويل!؟ومنهم من يقول إنها شخصية خيالية، نسجها الفلسطينيون في أحلامهم!؟ليصبح “ظريف الطول” ملاذا ورمزا يحفّز على المقاومة، وقدوة للشباب المخلص الواعي على مساحة “الوطن العربي الكبير”.

كثيرٌ  من الأسر الفلسطينية ربَّت أبناءها، فأنشأتهم وعلَّمتهم معاني الوطنية وقصة ظريف الطول، وكل منهم كان يسردها بطريقته الخاصة فيضيف عليها أو ينقص منها على هواه، تبعا لمقتضيات الأحوال القائمة في الأرض المستباحة فلسطين.

إحدى الروايات سمعتُها من جدّتي أحسن الله إليها وطيَّب مثواها،وتقول إن ظريف الطول لم يكن في صغره طفلا مدلّلا كسائر الأطفال..؟ فَسَمْعُهُ كان مرهفا حادا لا يهوى ولا يلتقط إلا زغاريد الرصاص..!ولهذا كانت لعبته المفضلة بندقية أبيه؛فامتلأ صدره بالغيظ وأزيز القذائف والبنادق والرشاشات؛حينما لم ترَ عينُه إلا صور الشهداء. وهكذا أصبح يعاني من زيغ الألوان،فلا يرى سوى لون الدم..!ممثلا بالشهداء من الأطفال والشيوخ والنساء، ممن لا ذنب لهم اقترفوه.. إلا أنهم أصحاب الحق وأولياء الدم المهدور. غدر بهم المحتل وساندته جملة من الدول المارقة من أجل مصالحها وحسب.!

ترعرع ظريف الطول وكبر في هذا المناخ المقاوم، وكبرت في أحلامه عروسته وحبيبته فلسطين، فاستطالت قامتها وبرز نهداها واحمرَّ خداها، وتألق النورُ في عينيها الواسعتين وعلا وجيب فؤادها، فتيَّمت ظريف الطول وضيَّعت رشدالفتى الفلسطيني المغروم..وهكذا صارت صبايا قريته ينسجن حوله الحكايات..؟ هو كحنظلة خلاّق ولمَّاح وموهوب. لكنه كان خجولا فلم يرفع عينيه إلى امرأة قط. كان مشغولا وحسب بقضيته الأولى والأخيرة.. وعروسه بقامتها العالية فلسطين.

كان ظريف الطول؛ الكابوس الذي يؤرق مضاجع المحتلين، الوافدين من أصقاع الكون إلى أرضٍ لا موتى لهم فيها ! وفي كل يوم كانت له معهم حكاية جديدة؟ثم؛ بلا سابق إنذار أو سبب معلوم غاب ظريف الطول ولم يعد يراه أحد. أصبح الناس يتخيلونه ويحلمون بعودته، والكل أصبح مشغولا به كالمهديِّ المنتظر. لكنه كان قد اختفى يوما ويومين،شهرا وشهرين،سنة وسنتين، فضاع إلاّ من القلوب المؤمنة به واختفى أثره إلى الأبد؛ فأخذ الناس ينسجون حوله أحلامهم؛والحكايات.؟

يقسم أحدهم أنه رآه يطلق النار من رشاشين في آن معا، وأقسم آخر أنه رآه يتنكب سلاحه، ويحمل على ظهره جريحا ينزف وسط غبار المعركة،وثالث رآه مدججا بالقنابل، يقتحم إحدى المستعمرات ويرعب مستوطنيها . ومنهم من يؤكد ويقسم للآخرين، أنه رآه يعتلي صهوة حصان مطهم أبيض، يسابق الريح فتلامس حوافره حصى الأرض، وتشرقط وميضا من لهب. تعددت الروايات عن ظريف الطول. قالوا عنه فيضا من الكلام.. وأنا أصدق ومؤمن بكل ما قالوه.. وأكثر.

هكذا تحوَّل ظريف الطول إلىأس طورة ! فلم يعرف التعب ولم يصبه الوهن،ولا دنا منه الخوف أو التردد والوجل.عيناه شاخصتان قبالة الأقصى، وقلبه يخفق للأرض وتراب الوطن؛ فهل تعرفون يا سادة يا كرام من هو هذا البطل؟ هو كل “فلسطيني” يقاوم المحتل الباغي،بمختلف الوسائل ويموتُ فداءً لمنديلٍ وعذراء؛أو شرفٍ دَنّسه الصهاينة الزُّناة.

 

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!