لصحيفة آفاق حرة
صفوق فارس الـجربــا
الشيخ الزعـيـم . شـمّر . العراق
الجزء الأول : تطور الوعي الإجتماعي . الرؤية السياسية
1818 حتى 1832
وقبل الولوج في خضم الموضوع أريد أن أورد هنا واقعةً ليست فقط مهمة في الدلالة بل ربما ستكون حاسمةً في السياق .
_ حيث تذكر المصادر التاريخية أن خِلافاً عائلياً وقع بعد مضي ثلاثين عاماً على وفاة الزعيم صفوق بين إبنه الشيخ فارس وبين حفيده العاصي إبن الشيخ فرحان باشا المتوفي عام 1880. أدى ذلك الخلاف إلى هوةٍ لم يعد بالإمكان ردمها وشاعَ وعُرف بين كل القبائل .
_ في تلك الأونه كانت قد تعاظمت قوة القبائل الشيشانية المهاجرة إلى العراق نتيجةً لحروب الدولة العثمانية مع روسيا فهم فرسانٌ بطبعهم نتيجةً لجغرافيةِ بلادهم . زد على ذاك أنهم خاضوا حروباً كثيرة فقويت شوكتهم فأخذوا يسيؤون لشمر وغيرها من القبائل العربية حتى راحوا يخطفون الأطفال ويعتدون على النساء ويغدرون بالآمنين .
_ ونتيجةً للخلاف الواقع بين الشيخ فارس وإبن أخيه الشيخ العاصي ذهب فارس إلى زعيم الشيشانيين جوادين ليطلب نُـصرته على هزيمة جيش إبن أخيه العاصي والقضاء عليه . وكانت هذه سابقةً لم تصل إليها شمر في تاريخها أبداً .
_ حيث أصر الشيخ فارس أن يتحمل كافة تكاليف نفقات الجند الشيشان فيما بذل الكثير من الهدايا والأموال لزعيمهم جوادين . وبالمقابل أعطى جوادين أوامره بإنضمام كل قوات النخبة الشيشانية لجيش الشيخ فارس الذي سيشنُّ هجوماً عظيماً على أتباع إبن أخيه العاصي ليسحقهم ويستأصل شأفتهم .
_ وليست ذات بعيد حتى أتى اليوم الموعود وخرجت قوات العاصي لملاقاة قوات عمه الشيخ فارس الذي تدرّع بقوات النخبة الشيشانيه حيث وضعهم بمقدمة جيشه الذي غاب نصفه عن معركة الدم بين أبناء القبيلة الواحدة .
وبدا أن كل القبائل العربية كانت مكلومةً ومفجوعةً لتلك المذبحة التي ستقع بعد قليل بين الأهل وأبناء وأحفاد الرجل العظيم صفوق .
_ وماهي إلا دقائق حتى سَرحت الشاحـجات الـحُجّلِ . وأغارتْ الخيل على الخيل واقترب الموت من الموت وبلغت القلوب الحناجر والكثيرون من العقلاء من الطرفين يبكون ويصيحون بألا تنغرس سيوف شمر ببعضها .
وحين لم يبق سوى أمتار بين الجيشين وكَثُر الصراخ وامتزجت الأهازيج رفع الشيخ فارس يدهُ وإنكفاً راجعاً هو وجيشه الذي كان قد إلتحق نصفه مسبقاً بجيش إبن أخيه العاصي .
_ وترك قوات النخبة الشيشانية لتواجه كل جيش العاصي وبقية جيش الشيخ فارس حيث ‘‘ لم يضربهم من الخلف‘‘ فتم سحقها عن بكرة أبيها ولم يعد منهم خيالٌ واحد ليخبر جوادين المرتقب أخبارهم حتى يومنا هذا . فيما علت الزغاريد حتى عنان السماء .
وهكدا عاد الصلح ليخيّم على أبناء العائلة الواحدة وهذا ما يتمناه كل عربيٍ حر حضرَ ذاك اليوم العظيم .
وثايناً : تم القضاء على أولئك المرتزقة الذين لم يسلم منهم حتى الأطفال والنساء .
وثالثاً : الإشارة للوعي الجمعي لدى الشيخ فارس وإبن أخيه العاضي بأهمية التوحد عند الملّمات الذي يعكس بالتالي وعي شمر الإجتماعي وهذا مدخلٌ بالغ الأهمية .
وبالعودة إلى صلب مقالنا هذا نرى :
_ أن التطور الإجتماعي هو تـغـيّر بطبيعة القواعد التي تحكم أليه التفكير الإجتماعي أثناء إنتقال مجتمع ما من نمط معين إلى مرحلة جديدة يكون فيها ترتيب الأولويات الإجتماعية أكثر إلحاحاً1 وتعقيداً .
_ وفي خضم مجتمعٍ يترنح تحت وطأة صراعات لا تنتهي وفتنٍ لا تنطفئ وأفرادٍ ينتمون لجـماعات وقوميات متعددة من تركيةٍ وجورجيةٍ وفارسيةٍ وكرديةٍ وشيشانيةٍ ومملوكيةٍ وإنكليزيةٍ وفرنسية في الربع الأول من القرن التاسع عشر .
بدا أن على الزعيم صفوق القادم من بيئةٍ عربيةٍ نجدية تخلو تماماً من الصراعات الإثنية , لا أن يُطور وعياً إجتماعياً يستطيع من خلاله أن يُحافظ على وحدة وتماسك شـمّر كقبيلة فقط .
بل أن يؤسس لمكانةٍ تحتلها شمّـر العملاقة تاريخاً وحاضراً وأفراداً وعدداً وقوةً بحيث تأخذ شمر مكانتها الكبرى التي تستحقها في عصرها ذاكـ .
_ والواقع أن من الصعوبة بمكان تحديد العام الذي ولد فيه الشيخ الزعيم صفوق فليس هناك مصادرٌ مؤكده لتحدد تاريخاً بعينه . إلا أن جميع المصادر العربية والغربية تتفق على أن عام ترأسه لشمر الجربا هو عام 1818 بعد وفاة والده الشيخ فارس . والحقيقة أني أميل إلى أن مولد الشيخ صفوق كان بين عام 1780 حتى عام 1785 . ذلك أن الأحداث المتسارعة التي تلت توليه لسدة القيادة فرضت أن يكون ذا حنكةٍ سياسية وخبرةٍ عسكريةٍ عليا وهذا مالا يستقيم وكونه حين تولى زعامة العراق في العشرينيات مثلاً .
- _ سمات تطور الوعي الإجتماعي عند الشيخ الزعيم :
أدرك الشيخ الزعيم صفوق الجربا كما يروق لي أن أسميه أن هناك مشكلة إنتـماء لدى كل مكونات المجتمع العراقي آنئذ بـمختلف قومياته وإثنياته وإنتماءاته .
_ وعَلِـمَ مبكراً أن العنصر العربي هو الوحيد الذي لا يعايشُ إشكاليةً بإنتماءه . وأن أبناء قبيلة شمر العربية لم يشعروا بغربةٍ جغرافيةٍ نتيجة لإنتقالهم من نجد إلى بلاد الرافدين . وهذا أسس لدى الشيخ صفوق لرؤية إجتماعية تنقسم إلى قسمين : - أن على شمر أن تتعاطى وتتعامل مع كل الوقائع الإجتماعية والسياسية والعسكرية المختلفه على أنها صاحبة الأرض وحامية الديار والقبيلة الكبرى في العراق وبالتالي فلها الحق في التدخل بكل الشؤون العامة السياسية والعسكرية بما يحقق مصالحها من جهة ولا يُعادي الأخرين من جهةٍ أخرى .
- و أن على الشيخ الزعيم صفوق أن يتـخذَ إجراءاتٍ لترتيب سلم أولوياته الإجتماعية . فعليه أن يعمّق الشعور بالإنتماء لدي جيل وُلِدَ كله بعد الهجرة الكبرى لشمر عام 1798 . وأصبح اليوم في العشرين من عمره أو أكثر وبالتالي يؤسس لإنتماء جيلٍ جديد أصبح مصيره مرتبطاً تماماً بوجوده في بلاد الرافدين آنـئذ .
هذه التغيرات الكبرى فرضت على الشيخ صفوق تكوين رؤيته السياسية
_ الشيخ الزعيم والرؤية السياسية :
أسس الشيخ الزعيم رؤيته السياسية بناءً على المتطلبات القبليّة التي كانت تتغير بشكل دائم نتيجة لتطورات الأحداث المتسارعة في العراق جراء الصراعات المختلفة . ولهذا كان على صفوق أن يعي كيفية قياس أهمية الإستجابته لكل الوقائع المختلفه في عصره ذاك .
_ وحتى تتضح الصورة أكثر نورد مثالاً واحداً من تلك الحقبة .
_ قُبيل وفاة الشيخ فارس 1818 . بقليل وصل إلى حكم بغداد مملوكٌ جورجي إسمه داوود باشا . وهو ذاته الذي كتب عنه عثمان بن سند البصري كتابه الشهير ‘‘ مطالع السعود في أخبار الوالي داوود‘‘ .
_ أثناء مدة ولاية داوود باشا من 1816 حتى عام 1831 شُنّت على العراق عشرات الحروب من جيوش ودول معادية كإيران التي لم تنطفئ نيران أطماعها وحقدها على جارتها العراق . ومن ولاة أكراد . ومن متمردين عرب أيضاً . وخلال كل ذلك لم يقد داوود ‘‘ باشا ‘‘ سريةً واحدة ولم يحارب مرةً واحدة دفاعاً عن العراق وأهل العراق . بل إنه لم يخرج من دار الولاية حين إنتهت ولايته إلا بعد أن حاصره علي باشا الوالي الجديد المُعين من قبل السلطان العثماني محمود المُتعصب تركياً والمتسلح وهو السلطان الشاب بسبعة عشر زوجة لم تبلغ واحده منههنّ العشرين .
_ من جراء كل ذلك إقتنع الشيخ الزعيم بأن كل الأطراف تتصارع على العراق لا لأجله . وأن كل المتحاربين يريدون قطعةً منه ولا شيء له . وبهذا كان لا بد على الشيخ الزعيم أن يعيد ترتيب حساباته على الشكل التالي :
- الدفاع عن العراق ضد الجيوش المعتدية مهمةٌ مقدسةٌ تُعنى بها شمّر بالدرجة الأولى . وهذا سوف يدعم نقاط قوة الجيش الشمري على صعيدين :
أ _ تقوية الشعور بالإنتماء للأرض سيضمن له بقاء القبيلة متكاسكة داخلياً لوعيها العام أن أولى أسباب النصر هو التماسك وبالتالي ستكون شمر مشغولةً بأهدافٍ كبرى تبعدها عن التناحر والتنافس الداخلي
ب _ التوجه االعسكري سيجعل التفوق الحربي لشمر هدفاً سهل المنال وهذا ما أثبتته الأحداث .
فالمقاتل التركي أو الفارسي كان يعيش في ثكنه عسكريه يأكل ويشرب وينام فيها وهذا كان يجعل لياقته القتاله أضعف بكثير من مقاتلي شمر المرتحلين المحزمين دوماً, والمقاتلين أبداً , والمدافعين في حال السلم عن مكانتهم وفي حال الحرب عن أوطانهم . ولهذا كانوا يُهلكون أعداءهم بقوتهم البدينة ولياقتهم القتالية .
2_ السلطنة العثمانية كانت تريد تحقيق أكبر قدرٍ من المكتسبات على حساب كل الشعوب التي تحكمها . وبالتالي فإن الولاة هم ظل فاسدٌ لتلك السلطنة والإرتباط بهم سيكون دوماً بقدر ما يحقق لشمر وللقبائل العربية من مكاسب حقيقة في زمنٍ متوحش السلطة .
_ الشيخ الزعيم والحروب الخارجية
_ الشيخ الزعيم والشؤون الداخلية
_ الشيخ الزعيم والنهاية المرصودة .
_ الغاية من إعادة أحياة حقبة الشيخ الزعيم صفوق بن فارس الجربا .
كل هذي الفقرات سنقوم بإعادة مداولتها في الجزء الثاني والثالث من مقالنا هذا .
وائل الزهراوي .