خديجة بقطاش وكتابها: « الحركة التبشيرية الفرنسية في الجزائر 1830-1871م»

الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقـــــــة 

     كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر 

 

        تنتمي المجاهدة والمؤرخة (خديجة بقطاش) إلى ذلك الجيل الذهبي، الذي نافح عن وطنه بالقلم والسلاح ؛  وقد وُلدت خلال سنوات الثلاثينيات من القرن المنصرم بـ(الجزائر العاصمة) ،ونشأت وترعرت فيها ،وزاولت تعليمها في« مدرسة التهذيب»بحي الأبيار في العاصمة، وبعد أن تتلمذت في المدارس والكتاتيب القرآنية بالجزائر العاصمة  ؛ والتي لعبت  دوراً متميزاً جداً في مجال المقاومة الثقافية، أصبحت معلمة متدربة بمدرسة« التهذيب» ؛ كما أشار إلى هذا الأمر أستاذها الشيخ(محمد الحسن فُضلاء) ،وقد بدأت الباحثة والمعلمة (خديجة بقطاش) الكتابة في سن مبكرة جداً ،ومن بين أوائل القصص التي كتبتها في طفولتها  ؛ قصة موسومة ب: « جناية أب» ،وقد نشرتها وهي تلميذة في السنة الرابعة من التعليم الثانوي ، انضمت إلى صفوف ثورة التحرير المظفرة ،وعملت بالولاية التاريخية الرابعة ،  وبعد أن اجتازت جميع المراحل التعليمية بتفوق كبير ؛ دخلت إلى الجامعة ودرست التاريخ ، حيث نالت شهادة الإجازة (الليسانس) من معهد« التاريخ» بجامعة الجزائر ، ثم تابعت دراساتها العليا بالمعهد نفسه في (الجزائر العاصمة) ،ونالت شهادة الدراسات العليا المُعمقة ،عام: (1980م) ، بإشراف شيخ المؤرخين الجزائريين ؛ العلاّمة(أبو القاسم سعد الله) ، اشتغلت سنوات طويلة في مجال التربية والتعليم والتدريس في شتى المراحل ،كما عملت مفتشة تربوية لعدة سنوات خلال مرحلة الثمانينيات و التسعينيات من القرن المنصرم ،وكتبت العديد من الأبحاث والدراسات والقراءات في العديد من الصحف الجزائرية ،والمجلات العريقة ، مثل : « مجلة الأصالة» ،و« مجلة الثقافية» ،و« جريدة الشعب» ، وقد توفيت المجاهدة والمناضلة والمُربية الأستاذة (خديجة بقطاش) ،خلال شهر(رجب1434هــــــــــــ) ؛المُوافق لـ(جوان2013م) بالجزائر العاصمة.  

       من أهم مؤلفات المجاهدة والباحثة(خديجة بقطاش)   كتاب : « الحركة التبشيرية الفرنسية في الجزائر 1830-1871م» ،والذي طبع عدة طبعات ، وصدر عن منشورات دار دحلب بالجزائر العاصمة ، و قد بيّنت دوافع وأسباب اختيارها لدراسة هذا الموضوع في المقدمة ،حيث تقول : «لا ريب أن الباعث الحقيقي والأول في رأي القائمين على التبشير ؛ إنما هو القضاء على الأديان غير النصرانية وصولاً إلى استعباد أتباعها ،إن المعركة بين المبشرين والأديان غير النصرانية ؛ ليست معركة دين بل هي معركة في سبيل السيطرة السياسية والاقتصادية ،وانطلاقاً من هذا  رأيت أن أبحث في هذا الموضوع ، وقد اخترته للأسباب التي أحصرها فيما يلي:

    أولاً: الرغبة في المساهمة في كتابة تاريخ الجزائر ،ومحاولة مني في تصحيح ما شوّهه المستعمرون- ولاسيما رجال الدين- في هذا الموضوع.

    ثانياً : الأهمية السياسية التي يكتسيها هذا الموضوع ؛ فالتبشير له علاقة وثيقة بالاستعمار في الجزائر ؛ بحيث استُخدم بصفته وسيلة من الوسائل المهمة لتدعيم النفوذ الفرنسي في بلادنا.

     ثالثاً :  قلة الأبحاث التي تناولت هذا الجانب المهم في تاريخ الجزائر الحديث.

            وقد حددت بداية هذا البحث بعام:1830م ،ونهايته بسنة:1871م ،ويبدو لي أن هذه الفترة عرفت جهوداً ومحاولات تبشيرية حثيثة قام بها رجال الدين ،وعدد من المسؤولين الفرنسيين عند بداية الاحتلال لبث نفوذهم السياسي في الجزائر ؛ فالحركة التبشيرية التي توقفت في القرن الثامن عشر في فرنسا بسبب أحداث الثورة الفرنسية وما تلاها من نتائج ،قد عادت لتظهر من جديد في القرن التاسع عشر ؛ بعد أن عرفت الكنيسة نشاطاً كبيراً لتلعب دورها في احتلال الجزائر ،والتوسع الاستعماري بشكل عام في القارة الإفريقية ،وقد رأيت أن تكون نهاية هذا البحث هي سنة: 1871م ، وهي بدورها سنة مهمة جداً ؛ لأنها عرفت حدثين مهمين لهما علاقة بالتبشير في الجزائر ،وهما:

1-ثورة الطريقة الرحمانية-أو ثورة المقراني والشيخ الحداد عام:1871م- التي كانت من بين أسباب اندلاعها الجهود التبشيرية في بلاد القبائل ،وبعض المناطق الأخرى.

2-زوال الحكم العسكري ، وحلول الحكم المدني الذي يُعتبر انتصاراً للكاردينال لافيجري ،وذروة التبشير في الجزائر ،فابتداءً من هذه السنة انطلقت الجهود التبشيرية في بلاد القبائل خاصة ، والجزائر عامة.

3-تأسيس فرقة الآباء البيض عام:1868م ،وهذه لم تجد ذاتيتها ولا رواجها إلا ابتداءً من هذه السنة ،ويعتبر نشاطها منعرجاً مهماً في تاريخ الحركة التبشيرية في شمال إفريقيا ووسطها ».

       وقد قسمت الأستاذة الباحثة (خديجة بقطاش)  كتابها هذا إلى خمسة فصول ؛ حيث تضيف في المقدمة  : «قسمت البحث إلى خمسة فصول، هي: الفصل الأول :حول الوضع الديني في فرنسا ،وتناولت فيه عودة الكنيسة إلى نشاطها السياسي ،وانتعاش الفرق الدينية المُبشرة ، وانعكاس هذا الوضع على الحملة الفرنسية ضد الجزائر ،عام:1830م؛ التي امتازت بروح صليبية ،وهو عدم احترام السلطة الفرنسية لاتفاقية 5جويلية1830م ،ولاسيما البند الخامس منها الذي يقضي باحترام الديانة الإسلامية وممتلكاتها ،وذلك بإصدار قرار:7ديسمبر1830م،وقد استهدف الاستيلاء على المؤسسات الدينية دون احترام المشاعر الدينية للسكان ،وقد اعتبرت هذا القرار مساً بالشؤون الدينية ،وخطوة أولى لمحو التراث الإسلامي بالجزائر.

     الفصل الثاني: تناولت فيه بعض المحاولات التبشيرية الفردية الأولى ،وقد لقيت تشجيعاً من بعض المسؤولين الفرنسيين في بداية الاحتلال ،ورأيت أن أتحدث أيضاً عن تأسيس أسقفية الجزائر عام:1938م ،وكان هذا في عهد لويس فيليب ؛ الذي اعتمد على الدين اعتماداً كبيراً في أعماله ،وتطرقت إلى النشاط التبشيري للأسقفين ديبيش وبافي ،وقد استعملا في ذلك الخدمات الخيرية ،معتقدين أن لا نفوذ في الجزائر دون تنصير سكانها ،وقد امتاز موقف السلطة الفرنسية بباريس من هذا النشاط بالتناقض ،والتذبذب ؛ ففي الوقت الذي كانت تعارض التبشير مخافة انتفاضة السكان ،فإن بعض مسؤوليها بالجزائر كثيراً ما كانوا يسكتون عن التصرفات التبشيرية التي كان يقوم بها رجال الدين ؛ بل كانوا كثيراً ما يشجعونها في كثير من المناسبات والمواقف.

    الفصل الثالث: وتعرضت فيه إلى جانب مهم من جوانب التبشير ، ألا وهو العلاقة بما عرف بالاستعمار الديني الفلاحي والتبشير ،وفيه حاول رجال الدين-بإعانة من الحكومة- استغلاله لأهداف استعمارية تبشيرية …  

    الفصل الرابع : خصصت هذا الفصل للحديث عن المجاعة التي حدثت بالجزائر في عامي:1867-1868م ،والتي كان من نتائجها أن استغل الكاردينال لافيجري الأوضاع الصعبة لفتح باب التبشير على مصراعيه ،وذلك بتبنّيه لعدد من الأطفال المرضى والمُشردين وتنصيرهم ،وإنشائه القرى العربية المسيحية بسهل العطاف ؛ الأمر الذي أدّى إلى نشوب صراع بينه وبين الجنرال ماكمهون الذي كان يخشى عواقب التبشير. وقد استطاع لا فيجري أن يفرض نفوذه ،وانتهى الصراع بانتصار لافيجري على خصمه ، وذلك بتأييد السلطة الفرنسية بباريس للتبشير بالجزائر.

      الفصل الخامس :ركزت في هذا الفصل على التبشير في بلاد القبائل بالخصوص ،وتحدثت في بدايته عن خرافة القبائل المسيحية التي خلقها دعاة التبشير من عسكريين ورجال دين وسياسيين ، وقد كانت هذه الخرافة بمثابة تمهيد للكاردينال لا فيجري ؛ الذي ركّز جهوده على هذه المنطقة بعد تأسيس فرقة الآباء البيض التبشيرية بالجزائر ، وبعد أن حظي بتأييد الأميرال دوغيدون ،وغيره من المسؤولين بالجزائر ،غير أن هذه الجهود فشلت فشلاً ذريعاً لتمسك السكان بالدين الإسلامي ».

         يقول الباحث والأديب الراحل (مرزاق بقطاش) عن شقيقته المجاهدة والمعلمة (خديجة بقطاش) في مقال كتبه بمناسبة رحيلها في جريدة: «صوت الأحرار» الجزائرية ،بعنوان : «وعادت خديجة بقطاش راضية مرضية إلى ربها» : «أجل رحلت خديجة بقطاش ؛ المجاهدة في الولاية الرابعة والمُـؤرخة والمـُربية في قطاع التعليم منذ عام:1959م إلى آخر نفس من أنفاسها في هذه الدنيا الفانية ،أبصرت بك يا أختي العزيزة تتقاتلين مع المرض صابرة جلدة لا تلين لك قناة أمام جحافله الزاحفة ،ورأيتك في لحظاتك الأخيرة ،ورأيتك في لحظاتك الأخيرة وأنت ترتحلين في صمت ،ودون أن ترسلي شكاة أو أنيناً ،وتلك خصال المؤمن الذي يتقبل بصدر رحب مقادير ربه ،وهل نحن يا أختاه إلا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وقبل ذلك رأيتك تكدين من أجل اكتساب المعرفة منذ أن وعيت ما القراءة وما الكتابة ،وكنت على غرار المجاهدات من بنات جيلك العظيم ،وهو والله لجيل عظيم حقاً وصدقاً ، تعملين بخالص النية في سبيل تلقين أبناء الجزائر الطالعة مبادئ التاريخ وقواعده ،وراقبتك عن كثب وأنت تعدين شهادة الإجازة في التاريخ ،ثم شهادة الماجستير في موضوع هو من أخطر المواضيع التاريخية ،وأجلها في الجزائر الجديدة ،وأعني به موضوع حركة التبشير في الجزائر…  ».

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!