فيروز أكثر من قهوة صباحية/بقلم:صلاح الحقب( اليمن )

يتملكني شعور مهيب وأنا أسمع السيدة فيروز في المساء، حيرة ودهشة وانسجام لا أدري سره وماهيته، وهي تختلف كثيرًا عن المواعيد التي نظمها أحدهم في صباحاته وعاشها الناس من بعده بالطبيعة ذاتها.
لعل من أسماها “قهوة الصباح” كان تعيسًا يخشى سماعها إذا ما جُنَّ ليله، فأدناها من الشروق، خشية صوتها وما قد يفعله به، إذ ينحت الحنين من قلبه تذكارًا غائبًا.
ذاك شعوره، ودونه يجهل أن آيتها وجه آخر للزمن وطبيعة مثالية للوقت، مهما كان موعدها.

تُملي عليّ اللحظة الآن بكاءً وضحكة تتلوهما في مستهل شدو رفّت به:
“يبكي ويضحك لا حزنًا ولا فرحًا
كعاشق خط سطرًا في الهوى ومحا”
أنفاس موسيقى تتهدج بلواعج شديدة القسوة، وضحكة في غمرةٍ من البين. إنها حالة من اللاوعي يخلقها جنون مستحب ومقبول بفضيلة الحب. أشعر أنني السطر الذي خطّه العاشق ومحاه من كف هواه، وأنا نفسه العاشق الذي كتب مشيئة قلبه بوحدانية قلبه وسوء حظه.

فتى تمنى لو لم تمس الريح برعمه، وآثر على قلبه الملامة والعتب كي لا تحزّ في نفس تلك الريح ندامة العجز وقلة الحيلة.
لعمري، إن هذا الغناء نديمٌ ومُدامٌ وترويحٌ للقلب من جور ما آلت إليه عاطفته.

لعلّي أجد الآن في هذا الغناء شكوى وعتبًا في صورة وديعة رغم فظاعة الموقف. كفى القلب أن تُتلى شكواه بهذه الصورة التي عجز هو عن قولها رغم حاجته.
العتب في حضرة الحب، بكامل فُتوته واستقامته بين قلبين تكافأت عاطفتهما، أمر وارد ومقبول. إلا أنه عِلّة في القلب الذي يحمل حبه وحده؛ عِلّة تؤرقه إذا ما نوى إطلاقها من قلبه ورميها في وجه من يعتب عليه. العتب هو الضعف بحد ذاته، كما وصفه بودلير بقوله: “إنه عشر أصابع قليلة الحيلة، وكتف واهن.”

تقودني اللحظة إلى قراءة شعوري بصورة أقرب مما يبدو عليه دون هذا الغناء، وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل. ولا يعني هذا أنها لا تُقرأ في الصباح أيضًا، بل في أي وقت يحضر فيه صوت فيروز، إذ يتناسب توقيتها مع طبيعة النفس وحالة الروح.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!