ربما مع تسارع الأحداث العالمية والوطنية ، يكون من اللازم أن تحضر بعض الأقلام الجريئة والمحقة بعد أن خاضت حروبا متنوعة عبر مسيرة حافلة بالكفاح المرئي والغير مرئي على مشاهد من التنوع للخطوب والصعاب، خاصة لدى من ينكرون سيرة شخصيات نافذة وهامة على منوال الإصلاح بالصبر والمجاهدة والاحتساب ، لعل الساكتين عن الحق أو الكارهين له لا يحبذون أن تكتب بعض الأقلام المتزنة عن فساد القيم لدى من ظننا بهم خيرا للوطن وللعباد، فالبعض منفرد بالإنجاز الشخصي ضاربا عرض الحائط قيم المشاركة في الشعور بمشاعر التضامن والمواساة، لكن المحن والأزمات صححت لحظات الانتضار وحولتها الى لحظات متسارعة في اختزال اصبر أحيانا، بعد أن تبين أن ثمة من يعمل ضد القيم دون أن يشعر بعمق الخطأ الذي يرتكبه ، فانساق جاريا وراء الشهرة اللفظية والسمعية والمرئية ليسجل حضورا قويا من المتابعين لكن دون معنى لتلك المنافسة التي لم تنطلق من مكون حضاري اجتماعي متواضع يبتدأ مشوار الظهور بالشعور بالغير ومعاناتهم..
دعني أكون صريحة لأول مرة ، أن ثمة تضارب وتناقض لمن يريد أن ينقلنا الى الضفة الأخرى من الأمان والانجاز بدعوى التحضر والتطور ، وفي أبسط ملاحظة يومية لبلد الشهداء لا تزال الشوارع تعاني اكتظاظ الفوضى من التنظيم ،طبعا والبعض المخالف لقوانين الاعتدال منزه من المساءلة ، ودعني أيضا أكتب عمن يسرقون الأفكار وينسبونها اليهم في سقوط صارخ للقيم، فلا تظنن أن موسوعة القيم هي صلاة وصيام وزكاة واحترام للجار ظاهريا ودفاع لفظي عن ثوابت الوطن والتجسيد غائب أو مغيب ، فاذا كانت القيم تمتد الى مجموعة الأفعال التي يُفترض أن تكون حاضرة وبقوة ليعتدل المشهد اليومي لما نعيشه من تعاملات ومواقف وردود أفعال .
ان ما نعيشه اليوم هو منافسة غير مشروعة ، يراد بها صناعة وطن منتصر ولا يهم ان جاع طفل أو تألمت امرأة لاحتكار الزوج أو الأخ للمساندة وتفريج الهم عنها ، أين هي قيم التضامن مع أولئك الذي دفعوا من وقتهم وجهدهم الكثير ليغرسوا شجرة العطاء عالية للجيل الصاعد ولم ينتظروا في ذلك جزاء ولا شكورا ، لم ينصفهم التاريخ بعد لأن البعض يغطيهم بغطاء الانكار ، هل فساد القيم صار منوالا للعيش الآن ؟.
لماذا نعد الأجيال أن الجزائر ستكون بخير والأطفال اليوم لم نشبعهم معاني الإخلاص والصدق ليكبروا على وتيرة آبائهم الذين نحن اليوم كنخبة نعاني من فساد القيم لديهم، آباء مستقلون لاهون بالركض خلف لقمة العيش أو لملأ جيوبهم بالمال الذي ينصرف هنا وهناك دون أن يوفر حنانا لأبنائهم .
ما بها المرأة اليوم تمردت على قوانين الفطرة ولو أن الضغط عليها كبير من ذكورة لا تريدها طموحة، ما العيب في الطموح اذا كان سيبني أسرة ومجتمع ودولة ، لماذا التحاسد لإسقاط القدوة التقية وابدالها بنماذج لا تملك قوة التأثير في مجتمع بات اليوم في خطر..
صحيح لا نملك احصائيات دقيقة ، ويفر المقررون للأمام لتطبيق أجندة التغيير التي يتبنونها الى أساليب تقوية كلمات الشعارات والمدح والثناء وخلفيتنا لا تتوفر على تاريخ جديد من المفروض بدأت كتابته بعد الحراك مباشرة.
كنا نراقب ولم نختفي، كنا نفكر ولم ننم الوقت الكافي، كنا نتطلع عل وعسى يعود الفاسدين المنحرفين عن القيم لجادة الصواب ، الصواب من الشعور بالمسؤولية الكبيرة تجاه الله والسنة والوطن ، كنا نتألم أحيانا لبعض المشاهد والمواقف وكنا نلتزم الصمت ولكن لم نخن أمانة قول الحق ، فكتب قلمنا ما شاء من الكلام الذي يشفي الصدور من علل اليأس والخوف من المستقبل.
صراحة لا خوف من المستقبل حتى وان ظهر هناك فساد جديد غير الفساد المالي وهو فساد القيم، نلاحظ تزايد وتيرته ومحاولة تزكيته على أساس أن ضغوطات الحياة أقوى وأن لا وقت لتعديل ما يبدو منحرفا أو فاسدا …لكن على الضفة الأخرى من التطبيل والمدح هناك وقت للخوض فيما لا يجوز الخوض فيه ، والمسؤول والمواطن غائب عن الميدان من أجل التغيير، والنخبة تنتقد هي الأخرى لأنها غائبة ، لكن بعضها حاضر رغم تهميشه ، فإلى أي جهة عليا يرفع المثابرون أصواتهم أن القيم في خطر ، في الوقت الذي ينتشر فيه شعار : أنا مع بلادي ، انتشارا سريعا .
يفترض أن هذا الشعار مجسد في أرض الواقع ، أخلاقا وعلما وعملا وتغيير عميق وهادف بسواعد الشباب ، يُفترض أن نعيش انخفاضا للأسعار في بلد تتلون فيها المنتجات كألوان قوس قزح ، ولكن الغلاء سلاح لترويض أي طموح نحو التجديد ونحو رفع الرأس عاليا للجزائري في أن يعيش حياة سعيدة هادئة ، وهذا كله تجسيدا لشعار أنا مع بلادي، طيب جميل أن تكون مع بلادك لكن برهن في الميدان ، برهن أنت كقاضي في العدالة وكطبيب في المستشفى وكفلاح في المزارع والحقول، برهني أنت سيدتي كربة بيت في تربية جيل نعول عليه ليصد علينا هجمات العولمة الماجنة ويكون لنا في كبرنا حصنا منيعا لإسقاط ما تبقى من قيم العروبة والإسلام ، برهن أنت يا مسؤول ولا يهم مرتبتك رئيسا أو وزيرا أو مديرا في أن تقتطع من نومك ساعات لتتفقد المرضى وأحوال التلاميذ في المدارس.
نريد طاقات فاعلة لا تفسد القيم بالأخلاق الدنيئة واحلال ما حرم الله، نريد جيلا يعرف قيمة الدم المقدم فداء لهذا الوطن، جيلا لا يتبوأ المنصب ليقال فلان بن علان ترقى ، نريد مسؤولين على أكف من نار الإنجاز والردع عند التجاوزات .
باختصار نريد مسؤولين ومواطنين يحاربون من يفسد القيم بالطرق المشروعة وليس التزام السكوت خوفا وجبنا، نحن أمة مكتوب لها تاريخ عظيم ويفترض أن تزيد من كتابة صفحات هذا التاريخ بتحييد واقالة كل فاسد لا يزال يتربع على عرش المسؤولية ولم يحاسب بعد بدافع أن الاهتمام منصب على القضايا الخارجية، لا عذر لظالم أن يبقى بلا حساب والمظلوم المشبع بالقيم في صبر واحتساب ، مشكور طبعا على خصال عظيمة ولكن ضمان الحقوق هي دفاع عن القيم واحقاق الحق حفاظا عليه من الضياع ، وان ما بقيت القيم يُعبث بها فلن تقوم لنا قائمة والأيام ستكون حبلى بالحقائق والأحداث ليتأكد من ظن أنه تقبل أن يُطبل لها كثيرا حتى لا يفسد للود قضية .