أشتاقكِ طبعاً
بل وأشتاق إلى اللاشيء ، الذي كنتِ سخية في منحه لي .
لستِ امرأة وكفى ، بل أنتِ امرأة تقول : ” أحبكَ وأكثر ” رغم أنني أعرف أن جلّ ما يمكنكِ فعله هو أن تمري بقصائدي البائسة ، تبتسمين أو تهزين كتفيكِ ، تعبيراً عن الغرور أو عن الشعور بالرضا ، كما لو أن جمالكِ سلطة ، وأنا بلاد مُحتلة عليها أن تدفع جزيتها شِعراً ، مع ذلك فقد كنتُ كريماً في تقديم ولائي ، رغم أنه يجلدني بسوط الطاعة ، ولا أتألم ، لأن الألم فقد مغزاه ، مذ أصبح شائعاً كالهواء .
أشتاقُ إلى شعوري نحوكِ ، إلى لحظة إمساكِّ بي عاثرَ الحظ ، وإلى ضحكتكِ الساخرة :
أفتقدكِ ، أفتقد كلّ ذلكَ الهوان الذي يخفيه الرجل عن أصحابه ، خشية العار ، بل وأشتاق إلى خلوتي بنفسي ، إلى النزاع المرير بيني وبيني ، وإلى وضعي مفاتح هزيمتي على الطاولة ، فلا تتكرمي بأخذها .
نعم ، ذلك المشهد المخزي ، المشهد السري ، بين جلاد وضحيته ، أشتاقه ، وأشتاق ُإلى اعترافي أمام الفراغ أنكِ كل شيء في حياتي ، لأن حياتي هي الفراغ الذي تحاكين براعة هندسته .
لن تصدقي ما أكتبُ لأنه يشبه السينما ، أو ما يدور في الروايات ، كما أنه لا يحصل إلا لشاعر خسر كل شيء وأكتفى ، من العالم كله ، بقصيدة ، تغذي فيه الأمل أنه قد فعل شيئا نافعا .
أصدقائي شربوني ، وسكروا في حانات قصائدي ، ثم هجروني لأن الشِعر ـ مثل الألم ـ لا يطاق ، كما أن الحب خطر على الطمأنينة ، خطر على الامتيازات ، على ربطة العنق ، على العائلة ، وعلى راحة البال ، وهي أخطار تجذبني إليها ، فأجدني ـ دون وعي ـ أطوف حولكِ ، لأنكِ مركز فكرتي عن الجمال ، وبؤرة الخطر !
أشتاقكِ ، واضعا رأسي بين كفيّ ، مثل فيلسوف ، سوى أنني أفكرُ كيف اقنع صمتكِ بالإفصاح عن نفسه بجملة ، لأفهم ماذا يقول أبو الهول في سره .
وأشتاقكِ عندما أتذكر كيف تجاوزتُ الحد ، ولم أعد قادرا على الصبر ، فصعدتُ سلالم مخيلتي وهشمتكِ ، مع أبي الهول ، بالفأس ، ثم بكيت .