الحُبُّ و اللغة/ بقلم:أحلام الزامكي ( اليمن )

قالت لهُ يومًا:” الحبُّ كالإيمان!

كلاهُما لا يُقبَلُ إلا تامًا !

فمتى ما رابَ إيمانَك شكٌ!

وتوالت عليه المشتبهاتُ لم يَعُد إيمانا !

ولعله يخفُتُ بريقُه يومًا تلوَ آخر!
ليخرجَ من رُتبةِ ( الملائكية) لحضيض (الكفر) !

وأنا امرأةٌ أكرهُ الأنصاف!
فإن أحببتني فأحبَّني بتمامِ الحبِّ لا رَشفَةَ منهُ تنقُص!

وإن خالطَ حبَّك شكُّك !
فأسرِج خيلَ غيابك !
وامضِ!

قالَ لها يومَها:” ليتَكِ تتوقفينَ عن قراءة الكتب!
و تحبيني بلاعُقَدِ العنتريين!

ولا شعوذاتِ الفلاسفة!

أحبِّيني هكذا ببساطة!
ككلِّ الأشياءِ في هذا الوجود !
كنهرٍ يجري بسلاسةِ انسيابه!
كجبلٍ شامخٍ !
ظاهرُهُ الصمتُ!
وباطنُهُ الثبات !

كخيلٍ برِّيٍ خُرافي !
أحبِّيني!

و ككوبِ شايِكِ الصباحي!
يُرتِّبُ لكِ فوضى يومِكِ !
و تعتنينَ بوضعِهِ في أعلى رفوفِ اهتماماتك!

فالحبُّ أبسطُ من عُقَدِ الكلام !
و قَرصَناتِ الثرثرة!

لكنِّي أكرهُ كاف التشبيه!
فكيفَ أحبُّكَ كَكُلِّ ما ذكرَت؟
قالت!.
لطالما شعرتُ أنَّ (كاف التشبيه)خطأٌ بلاغي!
تُضعِفُ الصورةَ بيانيًا!
أليسَ من ضعفِ البيانِ ألا يرى المحبُّ أنَّ المحبوبَ هو ذاته (المشبه به) وليس شيئا يشبهُه ؟

كم أنتِ متطرفةٌ في الحب!
قال !

أعترفُ بتطرُّفي في الحبِ!
في الحبِ فقط!
فأنا كهمزةٍ متطرفة لا تقبلُ أن يأتيَ بعدَها آتٍ !
وإن سبقَها حرفٌ فَلَزِمَ أن يُواتِرَ حركتَها في الجر ليناسبَها!

فإنْ لزِمَ توسُّطُها يوما!
كانت شبه متوسطةٍ!
وليست متوسطة!
ظاهرُها التوسُّطُ!
و جذرُها التطرف!

لكنِّي أريدُكِ مَرنةً متكيفة لا صارمةً عنيدة!
قال!

ومَن قال أنِّي صارمة دوما؟
ربما ألينُ يوما!
كصفةٍ في بابِِ التوابع!
هذا فقط إن وجدتُكَ موصوفًا فريدا!

أهبُكَ كلَّ ما تملكُه التوابع لمتبوعاتِها!
علامةَ حبي !
أخبرُكَ بعدد نبضاتِ قلبي!
حتى نوعَ مشاعري المتغيّرة وفق ماتقتضيه أنت!
كلُّها لك!

وما التوابع؟
أنا لا أذكرُ من( النحو )
سوى الفعل المضارع!
وأنت لا تتوقفين عن ألغازكِ النحوية!
وحذف المُقدَّر وتقدير المحذوف!
قال منزعجا!

ابتسمَت نصفَ ابتسامةٍ !
واستعادت جأش جِدِّيةِ حديثِها وقالت:”
قالوا قديما:” لولا الحذفُ والتقدير ،لفهمَ النحوَ الحمير”☺️
و هُنا مقبضُ الكلام!
فإن لم تفهم حبي لك بطريقة التوابع..
فسأُفهِمُكَ إياه بما تفهم..

أحببتُكَ بمرونةِ( الفعل المضارع)
على وجه الخصوص ..
ألم تقل أنكَ تفهم المضارع؟

كيف؟
قال في توتُّر!

قالت:”لن أكونَ مبينةَ الشعور !
ثابتةَ الرُّؤى!
جَهِمةَ الدلالةِ!
كالفعل الماضي!
لذا اخترتُ أن أحبكَ بتنوُّعِ المضارع!
بحركتهِ الخاطفة!
ووجودِه المتغيِّرِ وفقَ دلالتكَ الشعوريةَ أنت!

قد أخطِفُ قلبَكَ( بأدواتِ حبي الناصبة!)
و قد( أجرُّ )لقلبكَ العذابَ بغيابي!

و لربما (رفعتُ) عنك عتَبي!

وإن حدثَ هذا الأخير !
فاعلم أنني توقَّفتُ عن حبك!
فأنا أتوقفُ عن عتبي!
إن توقفتُ عن حبي!

قال غاضبا:”
قد أضعتِني مرةً أخرى!
إذًا فأحبيني بعيدا عن النحو والإملاء والبلاغة!
أيمكنُكِ ذلك؟

قالت:”نعم..
أتختارُ أن أحبكَ كخطِ النسخ أم الرقعة ؟أم كالكوفي أم الثلث….

لم أفهم!
قال!

قالت:”
أَأُحبُّكَ بثباتِ الحرف الصارم المتأجِّجِ بزواياه الحادة على هامةِ السطر الأنيفِ كما في النسخ!

أم أحبكَ كخطِ الرقعة بانسياب الحرف المتدفقِ على صدر السطر الساهم!

أم تُراكَ تريدني أن أحبكَ كنصٍ جاهليّ عتيق!
أعلِّقُكَ بأستار كعبةِ قلبي!
أكتبُك برقاعِ عشقي!
و وردِ أشواقي!

أأُحبكَ كليلى ؟
فإذا ما متَّ عني!
أتيتُ قبرَك كما فعلَت!
وقلتُ:”ما علمتُ له كذبةً قبل اليوم؟
ألم يقل لي يوما:”

و لو أنَّ ليلى الأخيليةَ سلَّمَت
عليَّ و دوني جندلٌ وصفائحُ

لسلَّمتُ تسليمَ البشاشةِ أوزقا
إليها صدىً من جانبِِ القبرِ صائحُ

فما بالُهُ لم يسلّم عليَّ الآن؟
فتهتزُّ القافلةُ!
وتفزعُ الناقة فتركلُ( ليلى)
التي تموتُ بجانبِ قبر مَن أحبَّت( توبة)
أسمعتَ عنه؟

قال:” لم أسمع عنهما!
لكني تعبتُ معكِ من السفر!
و أدركتُ سرَّكِ الآن!

قالت:” سِرِّي ؟

قال:”لقد أحببتِ اللغةَ لا أنا !
لم تعشقي سوى اللغة!

قالت:” ربما تكونُ محقًا !
لكني أحببتُ اللغةَ بك!
أنسيتَ أنَّ اللهَ علّمَك يا (آدم)
الأسماءَ كلَّها ؟
ثم أنتَ علَّمتَها حَوَّاك!

فإن كنتُ أحببتُها !
فأنا أحببتُها فقط لأنها منكَ!
و من وجودك الأولِ بقلبي!
ومن أولِ حوارٍ بشريّ بيننا!

أنسيتَ أنِّي أذهبتُ عنكَ وحشةَ الروحِ بأنوثتي!

و أذهبتَ أنت عني وحشةَ العقلِ باللغة!
فأتمَّ اللهُ نقصَ روحكَ بي!
و أتمَّ نقصَ عقلي بما علَّمتني أنتَ من اللغة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!