الطّاغي الرّقيق /بقلم : هـانيــة خانكان ( سوريا )

في واحدٍ من المولاتِ الكبيرة، دخلتُ محلّاً للألبسة النسائية لأشتري قطعةً جديدةً أعدِّلُ بها مزاجي، كعادتي حين يداهمني حزنٌ خفيٌّ غامض.

كان المحلّ كبيراً مقسّماً إلى عدّة أجنحة وقد اخترتُ عدّة قطعٍ لأجرّبها وأختار منها وبينما أبحثُ عن غرفةٍ فارغةٍ للقياس، عمَّ المكان لحنُ كمانٍ واستحوذ عليه.

تلفَّتُّ حولي لأحدّد مصدر الصّوت المرتفع، فقد شعرتُ أنني أسمعه في مسرحٍ حيٍّ وليس تسجيلاً فحسب ولكن لم أجد شيئاً، نسيتُ أمر غرفة القياس وبات يشغلني الكمان ولحنه السحريّ، إذ لطالما كان الآلة الموسيقيّة الأكثر إحساساً والأعمق في قلبي.

مضيتُ أتجوّل في الأجنحة واللحن الجميل يمعنُ في حنوّه بقسوةٍ تجري مجراها في شغاف القلب وتحفرُ فيه جداول عميقة وغزيرة، حتى إذا تملّكني، زاد في طغيان رقّته حتى سكب دمعي حارّاً على وجنتيّ وكدتُّ أعجزُ عن كبحِ نشيجٍ سيفضحني ووجدتُّني أعلّق الملابس في أماكنها على عجل، لأبحث عن مهربٍ قريبٍ يحرّرني من عنفِ عطفِ القوسِ على وَجِيبِ الوتر.

لمحتُ بصعوبةٍ باباً مغلقاً يطلُّ على الساحة الخلفيّة للمول، فهرعتُ باتجاهه ودفعتُه خارجةً، لأجدُني أقفُ بكامل دمعي أمام عازف الكمان.

كنتُ متيقّنةً أنّ تأثيراً كهذا، لا بدّ أن يكون حيّاً متحرّراً من قمع التسجيل، كما عطر الأزهار، لا ينافسه عطرٌ سجينٌ داخل قارورةٍ من زجاج.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!