تكرّر أمر الغثيان مع ياسمين عدة مرات، لذا قررت من فورها أن تذهب إلى جدّ الطفل وإعلامه بالأمر:
– ياسمين: عمّي…
– هو: يا روح عمك.. هل تحتاجين شيئاً يا ابنتي؟
ياسمين- والله يا عمي.. الحمد لله فالمرحوم لمْ يقصّر معنا.. ولكن هناك أمر بالغ الأهمية، ويجب أن تعلم به.
– هو: تفضلي يا ابنتي.. كلّي آذان صاغية.
– هي: أنا خجلة جداً من الحديث، لكنْ.. لا بدّ من إبلاغك بالحقيقة
– هو: تكلّمي.. ماذا هناك؟
صارحته بحقيقة ما جرى بينها مع خطيبها في دمشق، وأنها الآن في عداد النساء. فاجأها بصراخه واتّهمها بالخيانة.
– هو: ولمَ لمْ تخبرينا بذلك منذ وفاة ولدي؟
– هي: لم أتوقع بأني سأحمل، فقلت أستر على نفسي.
– هو: وأيُّ سترة هذه؟
– هي: على أيّة حال.. المرحوم كان زوجي شرعاً.
– هو: نعم ! ولكن عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح لكما بالمعاشرة قبل حفل الزواج وذهابكِ لبيته كزوجة.
– هي: هذا ما جرى.. ووددت إعلامكم بأنّ جنيناً لكم ينمو في أحشائي الآن.
– هو: اسمعي جيداً.. نحن لن نعترف بهذا الجنين إطلاقاً.. من المؤكد أنّه ليس ابن المرحوم.. أنت قمتِ باقتراف خطيئة وتريدين إلصاق خطيئتك بمن لا يملك أن يُقدّم لك شهادة بذلك، فهو قد مات أيّتها الفاجرة.
– هي: حاشَا لله يا عمي.
– هو: أكيد أنّ هذا الجنين هو غير شرعي.. أنت تريدين إلصاقه بي وبعائلتي، حتى يحظى بإرث ماليّ كبير ونسب مشرّف.
– هي، بصراخ وبكاء مرير: أقسم أنّه ابن د. فالح.. أقسم أنّه ابن شرعي.
– هو، صارخا بها: هيا قومي واخرُجي أيتها الفاجرة.. اذهبي إلى والد ابنك ولا تلصقيه بنا.. أنت تعرفين من هو والده.. هي (درب الآلام).. وأنت من اختارها.. اسلكيها وحيدة.
انهارت ياسمين.. جثت على ركبتيها تُقبلُّ قدميه نائحة باكية.. بدأت رؤيتها ضبابيّة لما حولها.. شرعت تصرخ وتقول: “عمي أرجوك.. هذا حفيدك أقسم لك أنّه ولدكم.. أقسم أنني لم أرتكب أيّة خطيئة”…
تجاهلها وأمرها بالخروج.. نعتها بصفات سيئة.. واتهمها بالزنا.. ثُمّ شتمها، وقام بطردها من البيت.
نهضت وهي ترتجف غضباً .. توقفت عن البكاء لهول مصيبتها.. كأنّ بلاهة أصابتها.. احمرَّت عيناها من شدة الغضب وقالت له: “سيأتي يوم ما.. تعلم فيه بأنني لست زانية.. وستندم على كلّ كلمة سيّئة نعتَّني بها”، وغادرت مسرعة لا تدري أين تتّجه أو لمن تأوي.
في طريق عودتها إلى البيت، كان مختار الحيّ الحج محمود يجلس على كرسيّ صغير من القشِّ أمام مضافته، رأى حزنها الشديد واحمرار عينيها من أثر البكاء، ناداها وقال لها: ما بكِ حزينة يا ابنتي؟ الله رحمان رحيم وهو موجود..
– ياسمين: لا شيء يا عمي.. هي فقط المشاكل وهموم الدنيا.
– المختار: إذن لك البشارة يا ابنتي.
ياسمين (بلهفة): وما هي يا عمي؟ يبدو أنّ السّعادة غادرتني بلا رجعة.. حياة البؤس والشّقاء بدأت ترافقني يا عم.. بِتُّ أحتاج لحظة فرح وإن صغُرَتْ..
– المختار: اليوم جاءتك الموافقة من السفارة، للالتحاق بعملك الجديد في الإمارات العربية المتحدة وبأسرع وقت ممكن.. وكما تقول برقيّة السّفارة، تحديدا سيكون عملك بإمارة “الشارقة”.
– ياسمين: يا فرج الله.. ما أكرمك يا الله.. يا جبّار.
أخذت برقيّة السّفارة.. قرأتها.. من فورها ذهبت إلى الدّلال أبو ياسر.. طلبت منه أن يقوم بإعلان بيتها ودكان والدها للبيع بداعي السفر.. قال لها أبو ياسر إنّه على استعداد لشراء البيت والدكان منها وفوراً، فهو بحاجة إلى موقع كهذا حتّى ينقل سكنه ومكتبه، فاوضها على السعر.. انتهازيٌّ جاءته فرصته تحبو بين قدميه.. لمْ تتشدد كثيراً.. وافقت وَشَرَتْ له أملاكها بثمن بخس لا يصل إلى نصف ثمنها، لكنّها طلبت منه أن تمكث بالدار لحين سفرها، أمّا الدكان، فيمكنه تسلُّمها فوراً.. وما هي إلا أيّام قليله، كانت خلالها أمور سفرها قد تيسرت.. ذهبت لوداع صديقتها المقربة رشيدة.. أعلمتها بحقيقة ما جرى، وعن حملها، وإنكار والد الدكتور فالح للجنين ونسبه.. صُدِمَتْ منْ هول ما سمعت.. عَقَدتْ المصيبة لسانها.. صمتت وهي تنظر إليها بشفقة واستغراب.. قررت الابتعاد عن البلد، لحين ولادتها أو يقضيَ الله أمراً كان مفعولا.. سألتها رشيدة عن الحل في مشكلتها هذه؟ لم تستطع تقديم إجابة، فقط أعلمتها أنّه لا بدّ لها من السفر والابتعاد عن كلّ من يعرفها، حاولت تهدئتها.. طلبت منها أن تصبر على هذه المحنة وقالت لها: لا تَنْسَيْ يا صديقتي أنّ الصبر مفتاح الفرج وربما يكون هناك المِنْحَة بهذه المِحْنَة ويكون القادم أجمل..
لم تكن ترغب بهذا السفر، ما يُجبرها على هذا المُرُّ، هو الأمرُّ منه، مشكلتها الماديّة كانت محلولة أصلاً، فالدكتور فالح قدّم لها الكثير من المال، لكنّها تودّ أنْ تنوء بحملها بعيداً، إلى أن تأتي اللحظة التي تستطيع فيها إثبات نسب حمْلها، وتُؤكدّ على طُهْرها ونقاء شرفها.
ودّعت رشيدة.. أخذت سيارة أجرة لتوصلها إلى المطار.. جلست في المقعد الخلفيّ تتلفّتُ يميناً ويساراً، كانت تودّع عمّان على أمل اللقاء والعودة مرة أخرى.. تضغط بقدميها على أرضيّة السيارة، وكأنّها تستحثّها على المسير بسرعة أكبر.. وأكبر، شُعورُها بأنّ الظّلم الذي وقع عليها كان كبيراً ومُجحفاً.. تودّ الإسراع للهروب من أرض ظلمها فيها أهلُها.. وصلت المطار.. وبعد ساعة من الزمن صعدت إلى الطائرة، فكانت هذه هي المرة الأولى التي تصعد فيها على متن طائرة.. قلبها خفقَ بشدّة حين بدأت الطائرة بالإقلاع، وحينما بدأت بالارتفاع أحسّت بأن قلبها يسقط من بين ضلوعها.. تمايلت الطائرة يميناً ويساراً، ثم استقرّت في صعودها مغيّرة اتجاهها من الغرب إلى الشرق.
بدأت تعود لطمأنينتها وهدوئها.. مضت ساعتان في الجو.. لمْ تأكل ولمْ تشرب خلالهما أيّ شيء، كان ما يشغل بالها هو فقط، الّلقاء الذي كان مع عمّها وما سمعته منه.. تارةً تبكي بصمت.. دموعها تأخذ في طريق نزولها ما تبقّى مِنْ آثار كُحْلٍ في عينيها.. وتارةً تسرح ناظرة خارج النافذة، لا ترى على الأرض سوى الصحاري وأحياناً مياهَ البحار.
أخيراً.. بدأت الطائرة بالهبوط قليلًا قليلًا لتقترب من أرض الشارقة.. بدا منظرها من الأعلى كواحة خضراء.. اعتقدت بأنّها لن ترى سوى الرمال، ولكن حقيقة الأمر كانت عكس ذلك تمامًا، فجمال الشارقة من الأعلى سلبها لبّها.. ارتاحت نفسيتها وهدأت أعصابها.. بدأت تشعر بالانتعاش.
هبطت الطائرة وبدأ الركاب بالنزول.. وصلت ياسمين إلى الباب.. همّت بالخروج مسرعة.. نكصت إلى الخلف وكأنّها تلقت صفعة على وجهها.. فاجأتها حرارة الجو الشديدة، مما حدا بها إلى النُكوص داخل الطائرة.. توقفت للحظات.. ثم تابعت خروجها والنزول.
انتهت جميع اجراءات دخول البلاد، خرجت من مبنى المطار، واستقلّت سيارة أجرة لتأخذها إلى عنوان السكن الذي كانت تكتبه على ورقة.. سكن محدّد من قبل الوزارة للموظفين القادمين من خارج البلاد، وهو سكن للإناث فقط.
وصلت غرفتها، وجدت أنّ الأجواء داخله تختلف كثيرًا عن الخارج، كانت ياسمين مرهقة ومتعبة جدًّا، ألقت بحقيبتها على الأرض.. استلقت على السرير وغرقت في دوّامة التّفكير.
لم يكن مكان سكنها يبتعد كثيراً عن مكان عملها سوى عشرات الأمتار.. أنهت دوامها في اليوم الأول.. عادت إلى سكنها.. كان ينقصها أن تشتري بعض الأغراض التي تحتاجها من أجل عيشها.. ذهبت إلى أحد المولات القريبة.. بدأت تتسوق على مهل.. تدقق بكل شيء.. تركز على تواريخ الإنتاج والانتهاء ومكوّنات المادّة الدّاخلة في الصناعة، وبلد المنشأ، حرصت على اختيار المواد التي تحتوي على الفيتامينات التي تُساعد الجنين على النمو، وبينما هي تدقّق في إحدى المعلبات، وإذا بصوت خافت يأتي عن يمينها يقول: ياسمين؟ نظرت باستغراب وتعجب! صعقتها المفاجأة.. لم تتوقع أن تلتقي بمن يعرفها، ولكنّ العالم أصبح ضيّقاً كثيراً، هجمت على صاحبة الصوت واحتضنتها بقوّة، إنّها زميلة الدراسة.. إنّها سجى.. تلك الزميلة التي لمْ تلتقيها منذ أيام الثانوية العامة.. احتضنتها بشدة كأختٍ لها لم تلتقيها منذ زمن بعيد.. بدأت تقبلها والدّموع تنساب على وجنتيها فرحاً.. انهالت الأسئلة من الطّرفين دون انتظار الإجابة، سجى كانت بعمر ياسمين، لكنّها كانت تبدو وكأنها أصغر من ياسمين بسنوات، هي جميلة.. هادئة.. ناعمة.. الهدوء سمة من سماتها.. مقلّة في الكلام إلاّ حينما التقت بياسمين، لا تخرج من بيتها إلاّ بتبرّج خفيف، حتّى لو اقتصر تبرّجها هذا على الكُحْلِ فقط.. تعيش مع زوجها بسعادة بالغة، وبينما هما تتبادلان التّحايا والسلامات وتستذكران الماضي، خاطبتها سجى قائلة: ياسمين أنت.. حبيبتي وصديقتي.
– ياسمين: وأنت روحي وحياتي.
– سجى: ما الذي أتى بك إلى الشارقة؟
– ياسمين: تعاقدت للعمل في مدرسة قريبة من هنا.. وأنت؟
– سجى: بعد التوجيهي تزوجت من شاب محترم، يعمل مهندساً اسمه سيف.
– ياسمين: بالتوفيق لكما.. هل هو معك هنا؟.
– سجى: نعم.. إنه هناك.. وأشارت اليه يقف عند القصّاب لشراء اللحوم والأسماك.
– ياسمين: ما شاء الله.. بارك الله لك به وبارك له بك.. يبدو شاباً وسيماً. وضحكتا معاً.
بينما هما تتبادلان أطراف الحديث والذكريات، وإذا بسيف يحضر ومعه عربة ممتلئة بالمشتريات، ألقى التحية.. طأطأ رأسه خجلاً من صديقة زوجته.. قامت سجى بتقديم كل منهما للآخر.. مدّ يده وسلّم عليها.. ولكنّها عادت وسحبتها بسرعة.. لقد أحست بشيء يجذبها نحوه.. رعشة أحسّتها تسري في عروقها.. هي تعرف تلك الرعشة.. أحسّت بها حين وضعت يدها بيد د. فالح أول مرّة.. أراد سيف المغادرة، لكنّ سجى طلبت منه البقاء حتى تنتهي ياسمين من شراء حاجياتها، ومن ثم يقومون باصطحابها إلى مسكنها.
عادت ياسمين إلى سكنها وما زالت تلك الرعشة تسري في عروقها.. بدأت تفكر وتسأل نفسها ما الذي حدث معها؟ هل ملامسة يد سيف أثارت مشاعرها الأنثويّة؟ حاولت أن تزيل فكرة أنّها استلطفت سيف من رأسها.
فتحت التّلفاز على فيلم بوليسيّ.. تحاول تغيير إحساسها وتفكيرها، لكنّ سيفاً احتلّ مقعده في عقلها وقلبها وتربّع فيهما.. كانت تلحظ عينيه وهما تحدّقان فيها وترسلان نظرات لم تستطع تفسيرها، لتخترق عينيها وتستقرّ في قلبها وعقلها، خنجر رجولته اخترق كبدها ففجر غريزتها.. صورته وصورة د. فالح بدأتا تتناوبان في رأسها.
سجى.. دأبت تُحاول كثيرًا أن تدعو ياسمين لمرافقتها وزوجها خلال خروجهم للتنزُّه أو لتناول عشاء في مطعمٍ ما، حتّى أنّها كانت كثيراً ما تتّصل بأهلها في عمّان وتحكي لهم عن التقائها بياسمين وما كان يدور بينهما من أحاديث وأحداث وبالتفصيل. سيف يحاول تجاهل ياسمين التي تبادله نفس التصرُّف، ذات يوم.. بينما هم يتناولون طعام العشاء في أحد المطاعم.. استأذنت سجى كي تذهب إلى الحمّام.. في غيابها نظر سيف إلى ياسمين.. تبسَّم لها، وقال: “اعذريني إن قلتُ لك بأنّك كلّما تقدّم حملك، ازددت جمالاً وإشراقًا وبهاءً”. ابتسمت ياسمين وطأطأت رأسها خجلًا.. وتابع: ياسمين.. أرجوكِ ارفعي رأسك وانظري إلي. – انتبهت وركزت نظراتها في عينيه- فأضاف:، إني أرى جمالاً يقابلني لم أعهده من قبل.. جمالك يأسرني.. فمنذ التقيتكِ وأنا دائم التفكير بك.
– ردَّت عليه بسرعة ودون تركيز: وأنا كذلك.. ولكن…
– هو: لكن ماذا؟ قولي.
– هي: أنت زوج صديقتي الوحيدة هنا.. أرجوك أن تحافظ على صداقتي لها.
– هو: وما الضَيرُ إن أحببتك؟ فقلب الرجل يتّسع لأكثر من امرأة.
– هي: هذا الحب محظورٌ و مجهول النتائج.. وأنا الآن أهتمّ بجنيني وبحملي.. أرجوك.
عادت سجى من الحمّام.. تناولوا عشاءهم وسيف وياسمين يختلسان النظرات لبعضهما، ثمّ انصرفوا.
أصبحت اللقاءات تتوالى، والزيارات تكثُر، بدأت مكالماتهم الهاتفية تتزايد وتطول، ولقاءات باتت تتمّ دون علم سجى، غياب سيف عن بيته يكثر ولقاؤه بزوجته يقلّ.. يتعذر بالعمل وظروفه الصعبة، ولكن.. إلى متى سيطول هذا؟ وإلى أين سيوصله؟ وهل تُغَطّى الشمس بغربال؟ ستُعلم الحقيقة إنْ عاجلاً أو آجلاً.
بدأت ياسمين تشعر بتعب وآلام الحمل، عانت كثيراً.. اقترب موعد ولادتها، وبدأت تشعر بأنّها تعيش بشتاتٍ جديد.. شتات اختارته بنفسها، ولكنّه يبقى في النهاية شتات.
حان موعد ولادتها.. رافقتها سجى إلى المستشفى.. كانت لها الأخت والأمّ، قُبيْل ساعات الفجر الأولى من السادس منْ حزيران، أنجبت مولودًا ذكراً أسمتهُ فالح، هذا التّاريخ الذي تصادف مع يوم احتلال باقي فلسطين، اتشّح هذا اليوم بالسّواد والبياض في حياة ياسمين.. وثّقت اسمه بشهادة ولادة بموجب عقد زواجها من الدكتور فالح، سجى تقف إلى جانبها وتعينها.. كثيراً ما تجلس تعتني بالمولود وتلاعبه.. تحاول إشباع غريزتها الأنثوية ورغبتها في الأمومة عن طريق فالح الصغير، الذي أحسّته ابناً لها.
الحب والغرام مع أقرب الناس لها! مفارقة عجيبة.. لا إسم لها غير الغدر والخيانة.
بدأت ياسمين تتعلم قيادة السيارة.. حصلت على “رخصة القيادة”.. بعدها قامت بشراء سيارة متواضعة حتّى تتهرّب من توصيل سيف لها وتخفف منْ لقاءاتها به.
صراع في داخل ياسمين كان يقضّ مضاجعها.. هي تريد الإخلاص والوفاء لصديقتها من جهة، ومن جهة اخرى كان حبّها لسيف يقوى ويتجذّر، ذات يوم.. جلست ترقُبُ طفلها.. رنّ هاتفها.. كان المتصل هو سيف.. أخبرها بأنه حدث معهم حادث سير، وأن سجى ترقد في المستشفى وبانتظار عملية جراحية، لكسور أصيبت بها جرّاء الحادث.
تحركت ياسمين من فورها إلى المستشفى.. رافقت صديقتها لعدّة أيّام.. كان ذلك بعد إنتهاء دوامها، بعد أسبوعين خرجت سجى من المستشفى مع عكازين تتأبّطهما.
بدأت ياسمين تحاول التخفيف من لقاءاتها بسيف.. فسجى الآن تحتاجه بشكل كبير، هنا.. جاء وقت الوفاء والإخلاص.. صارحت سيف بكلّ هذا.. طلبت منه أنْ يكون صديقاً وليس حبيباً.. حاول سيف التملّص.. عرض عليها الزواج.. متحججاً بتقريبها من صديقتها سجى.. من أجل الوقوف إلى جانبها في محنتها، ولكنّ ياسمين أوضحت له بأنّ إخلاصها هو ما سيُعينُ سجى في محنتها، هذا الزواج سيكون الصاعقة التي ستضرب سجى وتقتلها.. سيف لم يقتنع بما قالته وحاول تأجيج مشاعرها مراراً.. يضغط عليها كثيراً.. ترفض وبشدة جميع عروضه ولقاءاته، أخيراً.. قرّرت أن تبتعد وتطلب نقلاً إلى منطقة بعيدة عن سيف وسجى.. أرادت هروبا إلى الداخل.. طلبت العمل في القرى.. وافقت لها الوزارة وانتقلت.
بعد رحيل ياسمين وصل سيف لقناعة بأنّه يجب عليه أن يعود لبيته وحياته، وإلى زوجته.. خاصّة بعد أن تبين له بأنّ سجى تحمل في أحشائها جنيناً. أنجبت بنتاً جميلة.. أعادت هذه البنت السّعادة لحياتها وحياة سيف، الذي عاد ليَرْقُدَ في عشّه بسلام مع سجى وابنته ضُحى.
الأيام تمرُّ ثقيلة وعصيبة على ياسمين.. في المنطقة التي أصبحت تعمل فيها، لا تعرف هناك أيّ شخص.. أحسّت بغربتها وبُعدها عن وطنها وأهلها.. كثيراً ما كانت تجلس وتسرح في الماضي وأيّام الدكتور فالح.. تستذكره زوجاً وأباً ورفيقاُ.. حاولت أن تجد لها صديقات في المدرسة التي تعمل بها.. اصطدمت باختلاف العادات والتقاليد التي نشأت وتربت عليها.. لم تستطع التّأقلم مع هذا الواقع الجديد.. همٌّ آخر يُضاف إلى مخزونها الكبير من الهموم.
لمْ يبدُ على سجى حتى هذا الوقت أيّة علامات أو دلائل حمل.. تعلّقَت بفالح كثيراً، حتّى باتت تقضي معه الساعات الطِوال، وبعدما انتهت إجازة ياسمين، طلبت منها سجى أن تُبقي فالح عندها لحين عودتها من العمل.
كلُّ يوم.. يزداد تعلُّق سجى بالطفل، سيف كان يسعد بهذا الأمر، فهو كان يُحضِر ياسمين وطفلها إلى بيته، ويعود ليوصلها إلى عملها، عبارات الحب والشوق المتبادلة بينهما تزيد من تعلُّقهما ببعضهما أكثر فأكثر.. انتبهت إلى أنها تُخطيء بهذه العلاقة، فقررت ياسمينُ أن تخفف من هذه اللقاءات، تشعر بأنها تخون صديقتها التي كانت أختًا وأمًا لها ولولدها، بينما هي تتبادل عبارات.