عشت اليوم كله على اثر ألم حاد في رأسي ، ركبت سيارة اجرة من تطوان الى مرتيل ، فجأة يقول لي السائق : وصلنا الى المحطةيا سيدي يمكنك ان تنزل ، قلت له اني اريد ما بعد المحطة فإنطلق بي .
- اعتذر هنا تقف رحلتي ابحث عن سيارة اجرة اخرى .
نزلت وسط جحود من المارة اسير معهم بمحذاة الرصيف ثم اقف لخمسة دقائق متأملا شعورا يراودني منذ ثلاثة ايام ارى فيه موتيالقريب ، ثم استمر في المشي واقول ” لا يخيفني شعوري بالموت لأني طيلة السنوات التي امضيتها في الحياة ما عشتها يوما ، انيسأنجو من هذه الحياة التي سلبت مني كل شيئ اني سأنجو منها اني سأنجو…”
سأنجو من غرفتي القذرة وبؤسها ، ومن صوت صاحب الغرفة في اواخر الشهر ، ومن ألم بطني من شدة الجوع ، اثنى عشر سنةكانت كافية حين قال لي ابي انت الأن رجل ، ليس لك مكان هنا معنا في البيت ، إما ان تكون او لا تكون ، تساقطت دمعتين علىخدي امي حين رأتني اجمع اشلاء ملابسي ، وسرعان ما تحولت الدمعتين الى فيضان من البكاء حين ادرت ظهري إليها وقصدتالرحيل .
أبي لم يكن معي قاسيا فقط اراد ان اكون . وصلت الى ربع قرن من عمري وما زلت يا ابي انا انا ، غير ان الزمن غير ملامحوجهي ، لم اعد غليظا كما كنت ولا وسيما كما كانت تخبرني دائما امي ،وجهي اصبح متجعدا ، لا استطيع النوم في الليل الا حيناشرب اقراصا مهدنة أو إن تعاطيت مخدرات الكيف ، انك يا ابي حكمت علي اني رجل حين كنت في الثاني عشر من عمري ، ومازلت اتألم على مسؤولية حملتها لي وانا صغيرا ،
إن احساسي بالموت يزورني يوما بعد يوم ، الزمن انهك جسدي النحيف ، وما تبقى منه انهكته الأيدي القاتلة ، لا تذرفو علي الدموعحين اموت ولا تترحموا علي ، فقط احرقو جثتي وادفنو رمادي قرب بيتي كي اشعر بدفئ امي الذي حرمت منه منذ ثلاثة عشر سنة..