نقترب من المسجد أكثر ، بناءه البهي والذي يظهر عليه ملامح القدم ، يلفت الانتباه هناك في إحدى الزوايا شبك حديدي فيه ضريح مغطى بالقماش الأخضر ،وشيء يثير الدهشة والاستغراب ، نسوة ورجال يلتفون حول الشبك ، يتعلقون به ، ينادون أم الأيتام ويدعونها، هذه تطلب منها إزالة غمتها ، وهذه تدعوها لتساعدها على الإنجاب ، وآخر يتوسل إليها وهو يبكي أن تشفي صغيره !!
ما هذا الذي أرى يا أبا سليمان ؟ بالتأكيد هو الشرك الأعظم بعينه، مهما بلغت عظمة هذه السيدة لا يجوز لنا أن ندعوها، ولكن هناك رب لها ولنا يجب أن نتجه إليه بدعائنا ، أدخل المسجد ، أصلي فيه ركعتين لله تعالى أتجه للشيخ لأسأله بعصبية: ما هذا التخلف والجهل الذي يعاني منه الناس هنا ؟ ماذا يفعل هؤلاء الواقفين حول الضريح ؟ ألا تعلم بأنهم يقعون في فخ الإشراك وهم لا يعلمون .
– يا أخي هؤلاء الناس مؤمنون حتى النخاع، لا يشركون بالله شيئاً، ماذا تسمي دعائهم للسيدة زينب رضوان الله عليها ؟ هم لا يدعونها، وإنما يدعون الله تعالى من مكانها الطاهر.
– لا يا سيدي هم يقولون يا أم الأيتام أزيلي غمتي ، يا أم الفقراء ساعديني بشفاء ولدي ، هذا هو الشرك وأنتم عنه مسؤولون !! أين توجيهاتكم ؟ أين إرشادكم ونصائحكم بأن لا السيدة زينب ولا حتى الأنبياء يغنون من الله شيئاً ؟ حتى الرسل صلوات الله عليهم لا يجوز دعائهم أو الدعاء بواسطتهم، هؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة ( وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) .
أنا في القاهرة، قاهرة المعز لدين الله الفاطمي ، أنا في الفسطاط ، فسطاط عمرو بن العاص، أنا في أرض الفراعنة ، أنا في البلاد التي هاجر منها نبي بني إسرائيل قاتلاً لبلادي ليعود إليها بعد سنوات ثمان نبياً ورسولاً، على هذه الأرض تلقفت عصا موسى أفاعي السحرة وأبطلت كيدهم، وهنا أخرج يده من جيبه بيضاء من غير سوء ، هنا ولد موسى، وهنا تبنته حتشبسوت ، من هنا طرد بني إسرائيل ، وهنا تحالفت مصر الفرعونية مع مملكة الأنباط العربية ، هنا التاريخ لثغ حروفه الأولى وانطلق إلى الدنيا .
على الثرى المصري بنى الإسكندر الأكبر مدينته الإسكندرية، التي تحتضن البحر المتوسط، وبنى منارته الشهيرة، والتي تعتبر واحدة من عجائب الدنيا السبع ، هنا وعلى بعد بضع عشرات من الكيلومترات وفي الجيزة تحديداً قامت الأهرامات ووقف أبو الهول حارساً للتاريخ وحامياً للفراعنة عبر الزمان .
هنا تألفت روح كليوبترا بروح حبيبها يوليوس قيصر ملك روما ، على هذه الأرض ولدت جميلة الجميلات نفرتيتي، ومنها كان أول الموحدين من الفراعنة، على هذا التراب تلقفت زليخة نبي الله يوسف وراودته عن نفسها، وهنا صويحبتها قطعن أيدهن ، فسال دمهن ليشكل شريان حياة هذه الأ{ض ، ليشكل النيل ، إلي هذه الأرض حضرت الكواكب، وهنا تمردت أسيا على الفرعون وأعلنت إيمانها، وقدمت الماشطة أبنائها ونفسها في سبيل إيمانها؛ لتقدم لكل من أتى بعدها وسيأتي درساً لا ينسى في الثبات و الصمود .
أي أرض هذه التي أنا في رحابها، وأي ذاكرة تستطيع أن تحتويها .