من هناك نعود إلى البيت، وقد شارفت الشمس على الرحيل ، لأننا سنقوم بجولة أخرى ليلية ولكن أين ؟ لم تحدد بعد.
بعد أن وصلنا بقليل حضرت الساحرة سحر لتوقظ الشيطان المختبئ بداخلي .
– وقالت : ” ما بدري يا بابا متنا م الجوع وحضرة الست ماما رفضت أنا ناكل قبل ما تيجو”.
– أخوك لوتس راح السيدة زينب وسيدنا الحسين وتخانق مع أئمة المسجدين .
– ليه يا بابا؟
– اسأليه .
– ليه يا آبيه ؟
– لا لشيء لم نتشاجر وإنما تجادلنا.
– وما لقيتش تجادل إلا دول ؟ على كل حال كده كويس، نوفر وجبة ما إحنا كده مش ح نتعشى.
صوت أم سليمان يأتي من الداخل عبير نادي أختك وتعالي نحضر الغدا، تسير سحر وقلبي يسير بإثر خطواتها، وهي تردد:” غداإيه اللي أنت جاييه تقولي عليه ” لحظات وكنا نحيط بالمائدة ، وبدون مقدمات قلت عندما جلست:
** أنا لن استخدم الشوكة والسكين .
– ليه يابني قالت رندا؟
**لأني لا أعرف .
– نعلمك .
** لا أريد التعلم ،
– طيب زي ما أنت عاوز بس إحنا ح ناكل بيهم .
** لكن لن تجدي ما تأكليه لأن تناول الطعام باليد أسرع وألذ.
تناولنا العشاء وحضرت القهوة بعده، آه كم هي رائعة من يدي الصغيرة عبير، بعد احتساء القهوة قال أبو سليمان سنذهب إلى السينما، اليوم افتتاح فيلم (…..) والتذاكر موجودة من يومين، هيا يا بنات اجهزوا بسرعة وأنت يا أم سليمان وأنت يا أبو صخر ، وهنا يثور السؤال في النفس، هو من يأخذ أهل بيته من الإناث إلى دورالسينما؟ أي أناس هؤلاء وكيف يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم؟
كان الفيلم في أول أيام عرضه ، ياااه كم العدد القادم لحضوره، أبطاله نجوم، ولكنهم ما زالوا في بداية الطريق، دخلنا إلى السينما التي تكتظ بالبشر من الجنسين، جلس أبو سليمان إلى جانب زوجته، وكانت لجانبي الشقية عبير، هذه المراهقة التي لا تدع شيئاً يمر دون سؤال أو استفسار أو تعليق، كثيرة الحركة والضحك، بس يا عبير عاوزين نسمع الفيلم “طيب خرسنا” قالتها وهي تضحك، ساعتان من الصمت الذي ساد المكان، ولم يكن يخترقه شيء إلا أصوات المكسرات وأحيانا ضحكات الشقية .
انتهى الفيلم وخرجنا، وتصادفنا على الباب مع الفنانين الحاضرين، دار نقاش بسيط شعرت من خلاله بأنهما فارغين ثقافيا، فنجوميتهم لم تمنحهم شيئاً، وهذا أثبت أن الفنان لا يستفيد مما يقدم إلا الحفظ الذي ينساه بعد أن ينهي التصوير.
ركبنا السيارة وسألني أبو سليمان إلى أين تريد الذهاب غداً ، إلى الأزهر والحلمية وبعدها الأهرامات .
غداً عطلتي وسأكون معكم قالت سحر، ردت رندا لا سنكون كلنا في هذه الرحلة ، يا فرحتي بالنجوم التي ستضيئ قلبي ودربي غداً ، آه أيها الغد بالله عليك لا تتأخر، وعندما وصلنا إلى البيت سهرنا سويا، ولأول مرة أتجرأ وأطلب القهوة، فركضت عبير إلى المطبخ غابت قليلاً وعادت بالقهوة، بقيت سهرتنا تدور حول رحلة اليوم ومجادلة الشيوخ والفنان الذي لا تمنحه نجوميته شيئاً، بل لا يستطيع الاستمرار في دربها إن لم يثقف نفسه ويشتغل عليها، غادرت سحر لدقائق وعادت ومعها ورق اللعب، وقالت: سأغلب من الآن بابا ولا آبيه لوتس ، شعرت بالفرح وهي تناديني بأخيها من الممكن أن سر فرحي هو أني سأقترب منها أكثر سأتأملها أكثر .
– قلت وماذا تلعبين؟
– قالت: الكومي .
– والمغلوب قلت .
يركض إلى المطبخ شاي .. قهوة .. عصير .
-وشروط الفوز ؟
قالت: نلعب ثلاث مرات؛ من يفوز مرتين هو الفائز، وافقت على ذلك، وكان كل أملي أن أفوز لأتذوق قهوتها، والعصير المحلى برضابها، أي أخ فاسد أنا ، ملعونة هي أفكاري، وملعونة هي نفسي التي تبدو في غاية الرخص عندما تلتقي بامرأة، لعبنا وغلبتني ،آآآه من إحراجي وخجلي .
– هل تعرف طريق المطبخ، قالت وأبو سليمان يضحك.
– لا .
– سأدلك عليه، قالت رندا: اغلبي أبيك عشان بكره يكون دوره، وأنا سأذهب مع اللوتس، الآن يا فرحتي بهزيمتي، لما لا أستقر على واحدة أتعامل معها، أمنحها اهتمامي وأدع الأخريات، ولكن أنا كنت بعكس ذلك أينما رأيت الجمال اضطربت وفرحت وتمنيته وتعاملت معه على أساس ما أتمنى.
ذهبنا إلى المطبخ، رندا وعبير وأنا تم تجهيز الشاي وبعده القهوة وأخيراً كان العصير،آآآه كم أنا سعيد .. هل يوجد في الكون مثل هذا التعامل؟
أبحث عن نفسي فأجدها مكبلة بقيود شيطاني ودوماً ما تنقذني بدويتي، كل ما يحدث مني فقط بيني وبين نفسي الملعونة، الحمد لله دوماً تنتصر بدويتي وتربية أهلي، في حوالي الثانية صباحاً استأذنت وصعدت لغرفتي، بدلت ملابسي واستلقيت على سريري ومن فرط نشوتي وسعادتي لا أدري كيف غصت في بحر النوم .
كانت الساعة حوالي العاشرة عندما قرع الباب، نهضت من سريري وأنا أشعر بنشاط يكفي الكون ، اتجهت إلى الباب ، فتحته وإذا بهن الوردات الثلاث، ” لسه نايم، لا أنا صاحي من الصبح ، باين على شكلك إنك صاحي ، يا الله مفيش نوم ..” دقائق والحق بكن ، آه ما أجمل صباحي وما أبهاه ، وكيف لا يكون هذا الصباح جميلاً وأنا أفتح عيوني على النور الملائكي ، وأصوات العنادل تداعب قلبي قبل سمعي .