حزينة بيروت ..مدينة الفرح والغناء والجمال حيث الطبيعة تخلب الألباب . مدينة المهرجانات والسياحة ،والليل بلا إنتهاء .. مدينة الحضارة والتاريخ ..والآداب والثقافة والمسارح والفنون ..والأضواء.. مدينة الحياة ..
ولعل كل هذا لا يفي بيروت .. بيروت !!
ليست بيروت ماأرى ..
تذكرني بيروت دائما بعدن ..مدينة تستلقي على البحر وتتكيء على الجبال مع فارق واحد . جبال عدن سوداء بركانية ،وجبال بيروت خضراء..خضراء ..لكن ثم شيء يجمع بينهما ..كلتاهما تدفعان ثمن الموقع والموقف ..
– ماالذي ومن ذا اجرى الدمع في عينيك ؟..
سألت بيروت ..
اجابت ودمع فيروز يسبقها : من يركب البحر لايخشى من الغرق !
وقد ركبت بيروت الخطر منذ اكتشفت انها ملكة البحار ، سيدته، منذ ارتاد الفينيقيون اعالي البحار وصنعوا السفن ، منذ اكتشف الآخرون موقعها الاستراتيجي على المتوسط ، فغدت مطمع الطامعين ، رومانا، عثمانيين ، فرنسيين ، وصهاينة. وكانت العاصمة العربية الوحيدة التي احتلتها اسرائيل خلال عدوان 1982 . ووحدها وقفت تقاوم المخرز …!
سألت بيروت لماذا انت حزينة ؟
أجابني درويش :
( بيروت نجمتنا الوحيدة
بيروت خيمتنا الوحيدة )
( بيروت خيمتنا الأخيرة ..
بيروت نجمتنا الأخيرة ).
وكان صديقي البيروتي ظافر المصري الذي يعشق بيروت ، ويعرف كل زاوية فيها ، يشرح لي ولعبيري
عن بيروت في التتابع الزماني والمكاني ..عن بيروت المطمورة مرات عديدة، وعن بيروت القائمة فوق انقاضها ..عن بيروت الحرب الأهلية ، وكنانعبروسط البلدة والحي التجاري الذي اعاد رفيق الحريري إعماره .. بعض المباني تركت كماهي للذكرى ، لعل اللبنانيين يتعظون فلايكررون مآسي الماضي ..عن بيروت زمن الإزدهار .. وعن بيروت زمن الإنحسار ..وعن ..وعن …!
لكل شارع قصة ، ولكل إسم حكاية، وظافر يحفظ كل شيء تقريبا عن لبنان ، وعن بيروت ، ويحلم ان يشتري بيتا في جبل لبنان ، وتحديدا في “صوفر “حيث غابات الصنوبر والارز رمز لبنان الخالد والهواءينعش الروح ويفوق الخيال .
وعبيري منبهرة بكل ماتراه ، وتصور كل شيء ، خاصة سحر الطبيعة ، الجمال الذي لايشبهه جمال في اي مكان زارته من قبل .. هذا القوس من الألوان .. يبدأ بالأزرق ولايكتمل إلا بالأخضر .. صف الأشجار طويل ..تحت ظلال الأشجار يمتد شارع العشاق ..وجه القمر ..صفير الأوراق الذي اخذت البلدة منه اسمها كما قال ظافر جوابا على سؤال عبير .. الهواء يعشق الشجر ، والله جميل يحب الجمال ..وعند عودتنا من بعلبك كان الضباب يلف المشهد ويمنحه سحرا فوق سحره ..
يهرب البيروتيون من حر بيروت ورطوبتها العالية في الصيف إلى المصايف الجبلية حيث الجو يميل إلى البرودة ، ومن هناك يتأملون بيروتهم والبحر . اما في الربيع والخريف فجو بيروت معتدل وماطر في الشتاء .. والى بيروت يهرب الاغنياء العرب من صحاريهم ، وجفاف ارواحهم ، يشترون القصور والمتعة ، ويهربون منهاعند ادنى خطر تواجهه بيروت .هكذا فعلوا عندما احتلت اسرائيل بيروت ، وعندما دمر الانفجار العظيم مرفأبيروت ..تركوها بدون كهرباء ولاماء ولاخبز !! ..
احد الاثرياء بنى قصرا هناك في جبل لبنان قريبا من “كازينو لبنان ” حتى يتاح له لعب القمار ويخسر كل ليلة عدة ملايين ، ومع ان الكازينو قريب من قصره لكنه لكي يختصر المسافة شق نفقا تحت الجبل من قصره حتى الكازينو ليستمتع بخسارته الملايين كل ليلة !!
( ولبيروت بقية )