تتشابه قريتنا ككل القرى في كثير من الأحداث ولا يمكن أن تعطس دون أن يسمعك الجيران ،يقولون أنه عجوز عنيد خرف، ثرثرة القرويين تلوك سمعته،وبحكم معرفتي به ومخالطتي له لم يكن عقله غائبا بتاتا،غالبا حين يتقدم المرء في العمر يزداد حكمة وتبصر ،كان علي الاعتناء به كلما سمحت الظروف بذلك ،لكن ما أذكره جيدا أنه في الشهور الأخيرة كان يغلق بابه ولا يفتحته إلا لماما وعند الحاجة القصوى، وخلال الباب الموصد يفقد الانسان لمسة الأشياء وحتى لمسة اختلاطه بمن حوله،وذات صباح كان واقفا على السلم
وبدأ يمشي القهقرى كان ساهيا ولم ينظر جيدا فوقع من الأعلى على رأسه،وقع من تلقاء نفسه، ومنذ تلك السقطة وهو في نقطة اللاعودة، يفتح عينه يرى لكن لا يميز وجوه ولا أشياء،يحركونه دوما كي لا يصاب بطفح السرير وليبقى جسده ما بين الرطب واليابس، يدهنون ظهره بالمراهم،يبللون شفتاه بالماء،الناس لطفاء جدا متى حلت فاجعة،زلزال،فيضان،موت تلك البلايا تجفلهم من غفلتهم ،أن الموت كئيب لكن الحياة برمتها أشد كآبة من بوابة الجحيم والموت يرمقنا شزرا وعلينا أن نرحب به، آخر معاينة الطبيب لحالته الميؤوس منها كان بحاجة ماسة لآداب التعامل مع من ينتظر موته، كانت عيناه غائرتين في محجريها، أنفه صار حادا و ثمة نسيج سد منخريه،عصبوا عينيه بمنديل، قيدوا إبهامي قدميه بقماشة بيضاء وضعوا مصحفا على صدره،أداروه ناحية القبلة،قرأ أحدهم فوق رأسه سورة يس والصافات، لقنوه الشهادتين،واستعانوا بالصبر ولم ينتحبوا فالنحيب يؤذي الميت،جسده البارد بحاجة لمغسل الأموات وإكرامه بالدفن ،يقولون أن غيبة الميت قبيحةجدا، كان شخصا سيئا جدا لم يؤذ نملة طوال حياته.
