ديوان (تأتين.. ساميةً ) للشاعر سمير محمد المفلحي/ بقلم:كمال محمود علي اليماني

من سلسلة قرأت لكم:
*******

 

بين يديّ اليوم ديوان شعري للشاعر سمير محمد المفلحي الذي عرفه بعضكم روائيا من خلال روايتيه : السلاحف العرجاء ، وموكاسيتي، ولم يعرفه شاعرا ، وها أنذا اليوم أقدمه لكم كشاعر له ديوان سماه ( تأتين.. ساميةً)، وهو من إصدارات دار عناوين ثقافية في القاهرة في العام 2022م، ويقع في 115 صفحة من المقاس المتوسط.
ومنذ العتبة الأولى للدايوان ، وأعني بها العنوان ، يتبدى لنا أن الشاعر ينزع فيه إلى الرومانسية ، وبقراءة القصائد التي احتواها الديوان يتأكد لنا ذلك ، إذ حوى الديوان 32 قصيدة : أربع منها دينية ، واثنتان وطنية ، وواحدة حكمية ، والباقيات كلهن قصائد عاطفية ، فالديوان بجملة يحمل نفساً رومانسياً أقرب مايكون إلى مدرسة (أبولو) في الشعر العربي الحديث ، ومن روادها إبراهيم ناجي ، وعلي محمود طه، لاسيما في استخدامه الواسع للتجسيد والتشخيص، كما أن لغته جزلة غير معجمية، والعاطفة فيه دافقة، وغالبا ما يلجأ للتصريع غير أن ديوانه خلى من شعر المناسبات ، والرثاء، والمديح.
وإذا ما انتقلنا إلى الحقل الدلالي للعناوين وجدناه يؤكد رومانسية الديوان ، حيث نجد العناوين كالآتي : تأتين سامية ، حياة الأنقي، لص العاشقين، غمازتاها ثقب أسود، جمالك الجبلي، النهر المقدس وغيرها من العنناوين ذات الصبغة الرومانسية.
وعنوان الديوان عبارة عن جملة فعلية مكونة من الفعل (تأتين) ، وهو فعل مضارع يفيد الاستمرار والتجدد، متبوعا بنقطتين فكأنما الشاعر احتار في حالها حال مجيئها فانتظرت للحظات يبحث عن مفردة مناسبة فقفزة إليه مفردة الحال ساميةً، فكأن الشاعر يصف حاله مع محبوبته بالدوام والاستمرارية والسمو.
ومما يؤكد رومانسية الديوان لجوء الشاعر كثيرا إلى أفعال المتكلم ، وياء الخاصية كقوله: تعجبني ، يحتويني ، ياسرني ، أرتجي ، أقمتُ، رأيت.
أهلي ، سندي ، حبيبتي ، إحساسي ، حنيني ، متكيء ، خيالاتي.
والديوان زاخر بالانزياحات الدلالية ( استعارة ، تشبيه الخ) ، والانزياحات التركيبية نحوية ( تقديم ، تأخير الخ)، مها قوله في الانزياحات الدلالية :

*مانفع ذكرى تجر الحزن في صخبٍ.
* لن تري عدلاً مقيماً في الهوى.
* لاقاكِ في شغفٍ يداعب حلمه.
*من الأماني لعلي أمتطي حزني.
* شفتاك سربُ حمائمٍ لاتنتهي.

ومن الانزياحات التركيبية:

*والفعل يحتاج للأفكار إن برزت.
* ومن بقايا قصاصاتي ترممني.

بل إنه كثيراً مايلجأ للانزياح المركب( دلالي _ تركيبي):

* وعلى ضفاف الحب أرسمُ موعداً.
* تمشي على درب الجمال عيوننا.
* فستانها الفضفاض يسبق شعرها.
* هذا الصباح يجيء بعد أوانه.

ولم يخلُ الديوان من التناص أيضاَ ، حيث نجد قوله:

* لكأننا سيزيف يحمل همه
فتعيدهُ للسابقات مآزره.
* لاتقلقي إني الحواري الذي
قد ظل من بعد العشاء.. الوفي.
* كالحق من عمق اشتياقي حصحص.

والشاعر في ديوانه لجأ إلى ظاهرة أسلوبية هي ظاهرة التكرار ، لما لهذه الظاهرة من أثر في الموسيقى الداخلية للقصيدة ؛ لذا نجده في قصيدته ( تأتين سامية) يكرر حرفي النون والميم في ثنايا القصيدة ، وهما الحرفان اللذان يبرزان بقوة في عتبة العنوان، حيث تكرر النون وهو حرف يحمل دلالة المعاناة والحزن والبكاء والألم39 مرة ،ن وتكرر حرف الميم الدال على الخنوع والضعف والاضطراب 43 مرة، وفي قصيدة ( موعد) تكرر حرف العين 45 مرة وهو حرف له إيقاع مميز و تتراوح دلالته بين العبودية والذل، والانتفاضة والتحرر.
والحق أن الديوان مفعم بالقصائد الجميلة الأخاذة التي تأخذ القارىء إلى عالم جميل وردي ، وهذه القصائد ملأى بالصور الجميلة التي رسمها الشاعر بشكل موفق جدا ، نقتطف منها قوله:

*ولتتركي لغة الأكفِ تشي بنا
عبر الخطوطِ وعبر رعش الأصبعِ
ودعي الأناملَ في سهوب يديكِ كي
ترعى الهوى ونعيشه حلماً .. دعي.

* استوحشُ الكحلَ في عينيكِ مصطبرا.
وقيسُ عينيَّ في ليلاكِ لأرّقني.

*والانحناءاتُ في الأشياء مثمرةٌ
إلا انحناة مقهورٍ .. يكاهله.

هذا الصعود إليكَ الشوقُ مركبُهُ
إني على كل حالٍ أرتقي أجلي.

بقراءاتي للديوان ، والجلوس تحت ظلال قصائده الوارفة تحققت لي متعة جارفة ، ولا أشك مطلقاً في أنها ستتحقق لكم، أنتم أيضاً، حال قراءتكم له.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!