(ربّيْ عوّضَ الثّائر) رفاهيةُ الحربِ وبؤسُها ( أغنياءُ وفقراءُ
قَدْ نُغَالِطُ أنْفُسَنا ونُبرِّرُ بأنَّ الأغنياءَ الجُددَ يستحقّونَ خيراتِ الحربِ ومكاسِبَها، وتلك الثروات بسببِ نضالِهِم، تضحياتِهم، شجاعتِهم بل وعبقريَّتِهم !… فهل الجَوٍعى الفقراءُ في بلادي يستحقِّونَ كلَّ هذا الجوعِ والفقرِ؟
أعرفُ أنّك تمتلكُ المالَ من دمائِنا وأرزاقنا … فلا تقتربْ مِنّا .. واذهبْ معهم … ولا تبْنِ قصرَك في حيّنا … أو تجعل أولادك يتمايزون عن أولادنا…. اذهب … (يا أميرَ الحرب)
حديثو العهد بالنِّعمِ من أقواتِنا وارتفاع الأسعار والدولار (تُجّارُ الحروب) يُدرِكونَ أنّ المالَ وحدهُ يصلُح لشراء الوَجَاهةِ الاجتماعية، إنّما من أجل إبراز المسافة بين أمٍسِهم البائس ويومِهم الدّسِم: يظلُّون ملتصقين بالفقراء ليستمتعوا بمنظر كروشهم وسط بطون الناس الخاوية!…. بسياراتهم الفارهة وسقائف البائسين! … فــــ(ليرحلوا عنّا)
كونَ المرءِ غنيًا في اليمن هذه الأيام، فهذا يعني الابتهاج والتنعُّم أكثر ممّا مضى بما ليس عند الناس؛ لأنّ الآخرين محرومون مما يملكــــ ! يتعلقُ الأمرُ هنا بالانتزاع من يد الناسِ أكثر من الجمع للنفس؛ وهذا ما يُصطلَحُ عليه بـــ(المُصادرة السّادِيَّة)
سنواتُ الربيعِ العربيّ وما تلاها من حروب ازدهرت فيها الآمالُ في الانطلاق والإقلاع السّريع ومغادرة أماكنهم المُوحِلة وتداعت الفوارق الاجتماعية، والنتيجة: انقلب حالُ بعضِ الناسِ فجأة وتغيَّرت أحوالهم، لكنّ المحصِّلة النهائية كانت سقوط الطبقة الوسطى والأغلبية في الفقر والحرمان.
لكنَّ الفقر علاقة اجتماعية و شيءٌ رمزيٌّ قبل أن يكون تصنيفاً طبقياً، فالعِوَز قبل كلّ شيء حرمانٌ من الحرِّيات، حرمانٌ من القُدرات من الإبداع …. حرمانٌ من الحياة!
إنّه الفقرُ .. أجل الفقرُ … تتجسَّدُ فيه كلُّ معاني المَذلَّةِ والإذلال، جهادٌ في لقمة العيش، والعجز عن تعليم الأطفال، تكاليف العلاج، بل حتى عن التخطيط للمستقبل، كما يتجلّى أيضاً في الخجل من الظهور في الجموع ( مقايل القات) والأفراح للنساء والمناسبات الاجتماعية المختلفة وفي الاضطرار إلى نمٕط من العُزلة والاحتجاب ( اسألوا المعلِّمات قبل المعلمين)
أصبحتِ المقارنة المتواصلة بين الناس، بين ما كانوا عليه وما آلت إليه الأوضاع من سوء حديثَ ذكريات (سلامُ اللهِ على عَفَّاش)…. ومقارنة فاقتِهم مع أثرياء الحرب والربيع العربي، ستعزِّز وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة هذا الشعور بالغُبْن والظلم والقهر والحسرات؛ لأن المَشاهد أصبحت متاحةً ومعلومةً وموثَّقةً؛ ناهيكَ عن المقارنة مع شعوب دول الجوار، حتى في القرن الأفريقي من كان أمسهم القريب أحسن من حالنا اليوم ….ازداد شعور الفظاعة بالغُبْن والتفاوت والقهر والندم.
إنَّ المعلِّم الذي أفنى عمره وهو اليوم براتب أقلَّ من نصف الألف ريال السعودي، الذي يتقاضاه المجنَّد تلميذه، لَينظر إلى نفسه بأنّه عاجز وسلبي وخائن للوطن؛ لا أنّ الوطن قد خانه.
الحقُّ يُقال سواء أكانوا ثُوَّاراً قادةً أم زعماءَ وطنيّين أم طالبين الله … فإنهم يريدون من خلال صراعات دمويَّة وخطابيّة ذات صلة بالهويّة، أو العقيدة أن يتمَّ الاعتراف بهم، وأن يندمجوا في شرعيَّة، لا يودُّون هدمها وإنّما توطيدها!
وبعبارة أخرى فإنّ كلَّ ثورة بعد نجاحها تِفرِزُ لوبيا يضغط بكلِّ ثِقَلِهِ للدِّفاع عن مصالحه، إنّها نهايةٌ أقلَّ رومانسية من الثورات السابقة سبتمبر وأكتوبر لكنها قبيحة وبشعة؛ غشيت أرزاق الناس وضيَّقت سُبلهم.
إنّما ما يثير الاشمئزاز هو قدرةُ الثُّوَّار المناضلين الجدد المثيرة على إنشاء شركات مُربِحة وتحصيل ثرواتٍ ضخمة وتطريزها بمؤسَّسات خيريَّة، وكأنَّ ثمَّةَ صِلَةُ قَرابة بين أحلام الثوَّار الزُّهَّاد وعالم التجريد المالي وفقر الناس وجوعهم .