رسالة إلى تسنيم / بقلم :أميمة راجح ( اليمن)

صندوق بريد: لا صناديق بريد لدينا .
العنوان: كل العناوين مزيفة .
المرسل: عجوزة تتلبس جسد شابة.
المستقبل: كائن في نقطة التماس أينما ولى وجهه قابل الموت.
التوقيع: ………………

البعيدة العزيزة تسنيم هذه الرسالة لك ولعدن لذا حين تقرأينها إفعلي ذلك بصوت عالي أعلى من ضجيج الإنفجارات ونواح الأمواج ،أنتِ من تعز أعلم لكن لشدة إيماني بأن الحدود مرسومة بقلم رصاص ،أو برصاص ستنتهي يوما ما (ويوما ما) ليست بعيدة البتة.

تسنيم……… لقد أحببتكِ رغما عن الحزبية وعن إختلافات أشباه الحكومات والعصابات والجماعات المسلحة ،رغما عن الطبقية والعنصرية والفرق الدينية الراقصة ب (اللانجري) فوق المنابر ،أحببتكِ كما لو كنتِ زيدية مثلي وكنت شافعية مثلكِ أحببتكِ كما لو كنا أنا وأنتٍ خارج حدود هذا الوطن نعيش في وئام في إتفاق وفي إختلاف مثير مفيد، وفي حنين وتكاتف كما لو أن دمي ودمكِ ينبعان من قلب واحد ،ويمران بالأوردة نفسها هذا عذب وذاك مالح متعانقان لا يكره أحدهما الآخر ولا يلغي أحدهما الآخر.

تسنيم……….. ذبحتنا الحرب ،أفتضت بمدافعها وبنادقها عذرية مستقبلنا ،سلبتنا شرف الإنتماء ،وأوقعتنا على قلوبنا والوقوع على القلب يعمي البصيرة يا حبيبة….. الحرب تسلقت أكتاف الرجال ،انتصبت على رؤوسهم ،حولتهم لحمير ،ركبتهم حتى آخر رمق.

تسنيم إلتمسي لي العذر كوني أكتب لك في أول رسالة بيننا كلمات بشعة كالحرب ،أنا يا رفيقة مثقلة ،كل الدماء المسفوكة ابتلعتها!
كل الجثث المرمية حملتها على أكتافي!
كل الأطفال الذين تيتموا،وتعذبوا،وصرخوا زرعتهم في أعماقي!
وكل ليلة -كل ليلة -تخرج دموعهم من صدري على هيئة سعال خانق ،لذا فلتعذريني وحدي، أما القناص المترصد لقناص آخر في شارعكم وتتساقط رصاصاته على أبناء حارتكم لا تعذريه، لا تسامحيه ،لا تشتميه يكفيه هو والآخر سراويلهم المنخفضة من الخلف، كلاهما لا يستطيع قتل الآخر هل شاهدتِ يوما سريرا يقتل سريرا مثله؟!
هذي البلاد كلها أسرة، الحرب تعبرها كل ليلة وتكافئ مفترشيها حسب مايقدموه ،من قدم جثة أعطته ملصق، ومن قدم وطن أعطته رزمة مال أما من قدم كرامته منحته مصاص أحمر ، ومن لم يقدم شيئا أغتصبته جهرا هو وأحلامه وما يمكن أن يقدمه ليبتسم طفل صغير…….
هذه الأسرة ياتسنيم متسخة تماما كأيدي القناصين حول منزلك.

تسنيم………… لم أعد أحيا ،صارت أيامي كلها سلسلة من الصور بالأبيض والأسود ،غير واضحة، مهترئة وبائسة إلى حد كبير ،مثقوبة روحي ،ثقب أسود كبير كبير يبتلعني شيئا فشيئا ، لينقذنا الله ،لينقذنا الله.

تسنيم سيمر على رسالتي هذه ناقد متفلسف وسياسي خائن، وشاب مستهتر ،وبغيظة كل همها أحمر الشفاه وصباغ الأظافر ،سيشتمونني كلا بطريقته ،ثم يتحولون بعد ذلك لأسرة مقرفة منتنة ،لا تهتمي بهم بشتائمهم ولا بشيء آخر ،فقط إهتمي بكيف تذهبين لجامعتك وتعودين دونما تصيبك رصاصة متربصة أو تلتف حول خاصرتكِ أظافر اللحى الطويلة، أو أن تلامسك شفاه أشباه الرجال من فوق نقابكِ، أو أن تتمزق عباءتكِ الأنيقة تحت أقدام الفارغين من الله ،وأمام العراة من القيم الإنسانية…….. يجب أن تحرصي كل الحرص كي لا تتحولي لجاني ،كوني ضحية كالبقية ضحية خيرا من سرير قذر………………

تسنيم… أنا لا أجيد كلمات المقدمات، لا أجيد الكلمات المنمقة ،لا أجيد الوداعات الكلامية ،أنا فقط إبكي ،دموعي ليست إلا هذه الأحرف، البكاء دائما مرتبك ومؤذي وحار وصادق غالبا….. لذا لا تتأملي أن تكتب لك دموعي شيئا لذيذا وحلوا .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!