عناقُ الموت/ بقلم:بارغو ميدوم (السودان)

لقد تعبتُ مِنْ إنقاذ نفسي
أريدُ رصاصةً في منتصف قلبي المُفعم بقصص الحرب، أريدُ أن ترقُد روحي في إحدى المقابِر النائية، وأُعلقُ آحزاني على مسامير التابوت الهارِبة من قبضة الموت، أريُد أن أضُم أيَّ شيءٍ قاتلٍ إلى صدري الشاسع، أحذيةُ العساكر، الجُثث، القذائِف، الرصاصات، بكاءُ الأطفال، ماءُ البحرِ المالح، ورمال الفيافِي الساخِنة.

أريدُ أن أسقط من السلالِم الشاهِقة
أن تأكلني الرمال، الحصى، الحِجارة، المجارف، والصلب؛ كعاملٍ طيبٍ أُفلِت مِن مبنى المدينة السامق، أريدُ رصاصتين في قلبي وفي مقدمة رأسي المُضطرب؛ لأترك خلفي موسيقى الموت، لأترك سيارات الجنائز تُحلِّق في فضاء الأنين، أريدُ أن أضُم السكاكين الخائفة إلى قلبي، وأن أُحمَل بعدها إلى مكانٍ بعيدٍ؛ حتى لا تُشاهِدني أُمي وتتهمُني بالجبن والأنانية والطيش.

أمي لا تحبُ ارتداء اللون الأسود، والحديث عن الحُزن، ولا تحبُ قصائد الرثاء وقصص الرعب،
هي المرأة الوحيدة التي سجنت نفسها في ثقب بندقية أكثر من مرة.

نحن السودانيين
ضحايا جوعٍ وخوف، ضحايا حربٍ لعينة
هنالك مَنْ يبكون..
من يضحكون..
يصرخون..
من يفكرون بالانتقام..
وآخرون لايجدون وقتاً للبكاء والنحيب
مَنْ يعاقبهُم الله والجنود دون سابق جريمة؟
هنالك مَنْ رحل تاركاً بيتهُ عارياً، مُستباحاً للرصاص.
هنالك مَنْ نام أطفالهُ جائعين حالمين بوجبةٍ واحدة.
مَنْ مات في عرض البحر
مَنْ مات في الصحراء يحلمُ بالنهر
مَنْ مات مِنْ لحن البُندقية
لو قلت إنك وحيد يتسابقُ الجميع نحوك من فرط المكابرة وقدرتهِم للتماس
حينما تمطُر الرصاص الكثيف يكتفون بـ “كتمت” كبديلٍ مُبتكرٍ عن “لُطفكَ يارب”.

نحن السودانيين
جميعُنا متشابهون في الحزن
لدينا مَنْ يربط الحُزن بالشِّعر
ومَنْ يربط البكاء بالصراخ الفارغ من الدموع.
نحن السودانيين
قد يصير شاعرنا جُندياً ولن ينجوا من الموت،
قد يصير السياسي محصل تذاكرٍ في إحدى محطات الشاحنات الكبيرة لينقل الفارين خارج الحدود، قد يصير الجنرال في الجيش عميلاً
يتاجرُ بالوطن ويتظاهرُ بأنَّهُ حامي الوطن وترابهِ.

(السودان اليوم)
الرجالُ يموتون في أرصفة الشوارع معانقين صور نسائهم ، وأطفالهِم ،أمهاتهم،
والنساءُ يموتْنَ في مناجم الحُزن،
بالأمس حَضِرتُ جنازة عروسين احترقا معاً في غرفة تم قصفها بـ«دانةٍ» تشعرُ بالوحدة.

«سالين»
لستُ حزيناً
هل سأحزن لأنني سأموت قريباً
وأُغادر كل شيءٍ جميلٍ يشبهُك
عينيك الجميلتين
روحكِ النقية
خفة دمكِ؟

أم سأفرحُ لأنني سأموت قريباً
وأُغادر كل شيءٍ قبيح يشبه الحُزن
هذا القلق الذي لايهدأ
هذه الحرب البغيضة
هذا الخراب العارم
هذا الأنين الذي يسكن الأثير؟

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!