الشارع ذاك في الفتيحاب واسع وكبير , تحفه الاشجار من الجانبين ,كشوارع المدن في بلادنا تتعايش فيه القبائل السودانية من كل صوب, بين بيوت طينية وبيوت طوب اسمنتيه وهنا وهناك عمارات عالية يعرف عن اصحابها عملهم في الوظائف الحكومية او عودتهم من اغتراب .
ذلك الشارع كان يغزه يعقوب سيرا , بانتباه للسيارات القادمات , اللاتي كان يجد سائقيها متعة للانطلاق فيه , يعقوب كان كثير الحركة , يجد بغيته في العودة والذهاب في هذا الشارع , يحاول كما يقول ان يبر والدته بانجاز ما تطلبه فياخذه المضي سراعا متلهفا لارضائها من منزلهم في الثلث الثاني في حسابات تقسيم الشارع من بدايته في التقائه بشارع الزلط , كنا نلاقيه حينا ونحن بعض جلوسا قرب دكان فضل او بعض وقوفا قرب دكان الشيخ اسامة , نبعد كثيرا عن فتحات ابواب المتاجر لكي تجد المشتريات من البنات و النساء وامهات الاطفال راحتهن في الشراء دون الاحتكاك باجسادنا , يعقوب كان ولا ذلك بل يعاتبنا في جلوسنا هذه , قلت له ان في مجالس المتاجر , برلمانات فيها المودة والسلام يطمئن فيها الملتقون من الصحاب علي بعضهم, يتفقدون اخبارهم , يشجعون الدارسون علي الدراسة والعاملون علي العمل والاعزب علي الزواج , يعقوب لم يرضي حتي بجلوسنا وكان يقول لحين وجود اندية وملتقيات في الحي فانه سيصل الناس عبر مروره والوقوف البسيط عند الدكاكين عند رغبته في الشراء .
يعقوب كان في نهايات الاربعينيات , اعزب لاهتمامه باخوته وامه ودفعه لما يكسبه من عمل في الانفاق علي اسرته الكبيرة , يعمل فني ومساعدا لاطباء الاسنان , يقوم بذلك بانجاز اعمال تتطلب الدقة والصبر , ربما هو نفس الصبر الذي جعله لا يتسرع في انجاز اعماله , نفس صبره الذي يجعله يشتري الخبز لكل وجبة في حينها , نفس صبره الذي جعله يرفض الانضمام لاحزاب كبيرة واحزاب اخري فيها شباب مثل عمره , كان يقول ان مسالة الوطن واضحة بين مقاومين ضاعت منهم البوصلة وبين سلطة اذاقته المرارات , ربما احتاج ان اذكر ميوله السياسية فقط لابرر صبره وعدم عجلته في اتخاذه للقرارات , كان مهتما بشان منطقته دارفور وكان حزينا لمعالجة كل قبيلة من دارفور الامر بنفسها , كان يقول ان دارفور يمكن حلها بالدخول في النسيج الاجتماعي للسودان كله , بان يصاحب الدارفوري دون عنصرية غيره من اهل السودان ويطرح قضيته علي الجميع لتصبح قضية من اهتمام الاحزاب الديمقراطية كلها , من لا يرغبون في دارفور انتزاع ثرواتها
لذلك سمي نفسه بالنساج , كنت اداعبه انك يا يعقوب مخيط الشارع ماشي و جاي , قال لي انه لا ينسج الشارع فقط بل ينسج علاقات اجتماعية و محبات وصداقات
ينسج معرفة و انسانية وتدينا والتزاما امام الله يطرحه في من يلاقيه في الناس
ينسج تثقيف عن منطقته وثقافته
ثم قامت الحرب في الخرطوم
سافرت انا الي الشمالية
و هاتفته من هناك
و جدته ما زال يسعي في الفتيحاب صداقة ومحبة
سالته لماذا لا يخرج
قال لي ان الفاشر موطنهم تعيش نفس الاوضاع
قلت له ان الحرب ستستمر
اصر علي بقائه صامدا
ثم سمعت بان الدانة وقعت علي جسده في مقتبل الشارع
اختطفته و راح من الوجود
اختطفت شبابه الغر
ابتسامته الشرحة
مرونته في التعامل
ثقته المنطلقة من ارثه الثقافي
اخووته للجميع
عدم الكبر و عدم التراخي
وانا ها هنا بعيدا عن الحرب اتخيل حوارات جديدة معه
اكرر حوارات قديمة
وانظر للفراغ فاري فيه يعقوب حسين السلطان الفاشري العتيد