لم يكن غريبا اهتمام حجازي بالاشجار , ذلك الاهتمام كان متسقا مع روحه و طريقة تفكيره في الحياة, الذي بدا غريبا للبعض هو قدرته علي الاحتفاظ بذلك الحب رغم السنين العديدة التي قضاها في معتقلات النظام , يسامر الناس كان حجازي في مقر عمله ذلك , الذي كان فيه وكيلا لبعض اصحاب المنازل والشقق ولايجار الاراضي والمنازل والشقق , اي ما اسمي عند الناس سمسارا , كنا نحادثه بان هذه المهنة قد شابتها الكثير من الشوائب , و اصبحث غير حميدة عند الناس , لم يدافع عن نفسه فقط قال ان الغلاء وارتفاع الاسعار اصبحا لغة العالم , والبعض يتوقع من السمسار ان يكون منقصا له في ملك لا يملكه السمسار , انما هو وكيل فقط , تحدث مرات عن ان هنالك ايضا من السماسرة من يستغلون احتياجات الناس , و بحث البعض الدوؤب و المستمر عن مقر للسكن .
نعود لحب حجازي للاشجار , يقول ان اصوله تعود لمصر ولصعيد مصر وان حب الاشجار انغرس في اجداده منذ قبل قدومهم للسودان , حجازي يعرف الاشجار جيدا , يعرف اسمائها و طرق سقايتها , ربما كان اقل جهدا من استاذ محمود في تعليم التربية اليستانية لنا ايام كنا طلبة لديهم في الابتدائية سنينا قليلة قبل انقلاب الانقاذ , و مجئيهم للسلطة , استاذ محمود لم يتعرض للاعتقال كثيرا , ربما هي ايام بسيطة او ساعات في مكتب الامن رغم عمله علي تثقيفنا ايضا بالشعر والكتابة والاغنيات الوطنية , حجازي غيرا من ذلك كان ينبش في الشان السياسي , ويعلمنا له , كنا صغارا اي نعم لكن كنا نحفظ اناشيد الكورال , و كنا نغني ل وردي اي كان صوت اي منا , فصاحب الصوت الاجش و صاحب الصوت السمح منا سواء , و من بين تعليمنا صغارا علي الحرية و الديمقراطية و متطلباتهم و الفن و الفكر و الابداع , كانت اللفتة البارعة الزائدة في الامر , هو تعليمنا الاهتمام بالشجر و النباتات, كنا نفقد استاذ حجازي احيانا كثيرة و نسمع انه كان معتقلا , حتي عندما استولي النظام علي السلطة علمنا انه فصل من العمل ,
في اول اعتقال له في زمن الانقاذ , لاحظ حجازي خلو المعتقل من الاشجار , حكي لنا ذلك الامر و هو الامر المحير بعدها انهم خاطبوا ادارة السجن , طلبا بان يقوم المسجونيين السياسيين بزراعة اشجار في باحة السجن , الاشجار عند المسجونيين السياسيين كانت احساس بالحياة , معني متدفق بالصيرورة , و ما ستصير اليه الامور , نداء بالامل يجري في العروق , احتارت ادارة السجن حينها اولا ثم تمت الموافقة فكان ان قاموا بزراعة باحة السجن بالاشجار , التي كما قال لي استاذ حجازي طلبوها بانواع معينة باسمائها , قارنت ذلك الفعل الايجابي مع المعاملة السئية التي ذكرها لي استاذ حجازي لهم في السجن و كيف انهم كانوا يعطون ملابس هي فقط قطعتين عراقي و قطعتين سروال , و كيف انهم في ذلك الليل البهيم يقومون بغسيل القطعتين التي تم ارتدائها اولا ثم ياتي الدور علي القطعتين الاخرتين .
حجازي امام محله كانتا هنالك شجرتين يسقيهما بعناية ولا ينسي سقايتهما , يقول ان ظل الاشجار مجال للانس و التفريق عن الهم تماما كالقهاوي عند الاخوة المصريين , مجال للتحاور تحتهما عن قضايا الناس و مشاكلهم , مجال للتعارف و استقبال الناس بدلا عن البيوت التي اصبحت ضيقة لاكتظاظها بالاسر من نفس العائلة مع زيادات و غلو اسعار البناء و زيادات الايجار التي كان الاستاذ احمد عبدالله حجازي يقول انها لا ترضي احد و انه كشيوعي لن يكون من من يزيدون في الايجارات فقط للبحث عن الربح السريع علي حساب الناس.
