قرأت لكم:رواية زيان للروائي الصاعد سالم بن سليم

كتب:كمال محمود علي اليماني

بين يديّ اليوم رواية للروائي سالم بن سليم ، وهي من إصدارت هذا العام عن دار نشر عناوين ثقافية .
الرواية حملت عنواناً غريبا بالنسبة للقارىء العربي ، فهي بعنوان ( زيان) ، وجاء حرف الزاي وعلى رأسه نقاط ثلاث ، وهذه الزاي هي مايطلق عليها الزاي المعلقة أو المثلثة، وهي في الأصل حرف فارسي وكردي .
وزيان هنا هو اسم بطلة الرواية.
تجنيس الكتاب رواية ، وغلافها حمل صورة فراشة كبيرة لها جناحان زرقاوان ، وعلى الجهة اليمنى أصيص زهر ، وفي أعلى أحد جناحي الفراشة ولد وبنت يمرحان في رسم كرتوني ، وفي وسط جناحي الفراشة جاء اسم زيان مشيرا إلى هذه البطلة وطيرانها وتحليقها في الفضاء الرحب ، وفي الغلاف الأخير رسم المؤلف صورة للبطلة ، ولكن بالكلمات فقال: (( على الرغم من إعاقتي إلا أنني سلمونة قوية ، لقد استطعت أن أصل إلى أعلى النهر ، تجاوزت الانحدارات، والتيارات القوية ، وأفواه الدببة)).
وها أنت ذا ترى أن البطلة ابتدأت رحلتها فراشة رقيقة ، لتنتهي سلمونة قوية ، كيف حدث هذا ؟ وماهي التفاصيل ، هذا هو ماتحكيه الرواية.
ولقد جعل المؤلف سالم بن سليم روايته الأصلية ( زيان) تتناوب مع رواية فرعية لكاتب الرواية ، إذ أن زيان بطلة الرواية الأصلية أرادت أن تدوّن قصة حياتها وكفاحها في رواية ، ولأنها لاتجيد هذا الفن؛ فلقد التجأت إلى كاتب روائي – عبر صديق لها- أرسلت إليه فصول حياتها كاملة ، وقام هو بدوره بصياغتها روائيا ، وبين الفصول يعرض لنا الكاتب للرواية – وليس المؤلف- حاله مع البطلة ، وحاله مع نفسه هو وظروفه المحيطة به ، ولعله قد تعاطف مع زيان في صياغة قصتها لعيشهما معاً ذات الظروف المشتركة التي جمعت بينهما ، على البعد زمنيا وجغرافيا، فهما قد عاشا – كلاهما- ظروف الحرب الطاحنة ، هي بين العراق وإيران ، وهو بين الحوثيين الانقلابيين والشرعية ومن ورائها دول التحالف . الحرب التي اضطرتهما للنزوح من منزليهما ، بل ومن موطنيهما.
زيان فتاة ولدت تشكو من إعاقة منعتها من أن تكون كبقية لداتها ، فهي لاتحسن الانتقال من مكان إلى آخر إلا بمساعدة أمها وهي أم قوية استطاعت أن تكون سنداً لها في حياتها ، لاسيما بعد موت أبيها.
ذات يوم تجد نفسها- بعد سنوات- قادرة على تحريك جسمها ، وتبدأ بالقيام ، وهاهي ذي تقف وتبدأ بالسير رويداً رويدا، بصعوبة ، ولكنها تمشي ( لم يوضح لنا المؤلف كيف حدث هذا ).
تعيش في بيت أبيها ، بين أبيها وأمها وإخوتها وأختيها وزوجات أبيها حياة طيبة وكريمة ؛ فأبوها رجل ثري وكريم ، وتبدأ أولى مراحل شقائها بموته، ثم تأتي الحرب العراقية/ الإيرانية لتنتزعها وأهلها من بلدها الموصل إلى قرية كردية ، ثم تعود إلى الموصل ثانية؛ لتغادرها مرة أخرى إلى إحدى القرى الإيرانية ، تلتقي هناك بابن خالتها( جمال) ، وتعيش معه أجمل المشاعر والأحاسيس التي لم تعرفها من قبل، ثم ترحل مجددا إلى سوريا ، ثم إلى لندن في آخر المطاف .ترى كيف سارت علاقتها بجمال ؟ وهل انتهت علاقتهما إلى ماتبتغيه، ولماذا تفرقا بعد ذلك؟ .
في لندن تقترن بأحد الشباب العراقيين المهاجرين ويرزقها الله ببنتين وولد ، وفي خضم كل هذه الرحلات والتنقلات تصف لنا زيان وهي الساردة لروايتها، وهي ساردة مشاركة غير عليمة، إذ تتحرك من حولها أحداث وتتفاجأ بها ، ولهذا جاء السرد بضمير المتكلم، ومما يدل على ذلك قولها:
– فهمت ذلك من حديث أختي صباحا.
أو :
– لم أعرف ماذا حدث بعد ذلك حتى أقلعت الطائرة من جديد ، وفهمت من حديث المساء الخافت.
لغة الرواية جاءت سلسة واضحة وإن حوت الرواية بعضا من الفقرات ذات اللغة الشعرية في مواطن توزعت هنا وهناك ، مثل:
– يتناوبان على امتصاص جذوة الشباب من عينيها. ( وفي هذا انزياح دلالي جميل ) .
أو قوله:
– وأصوات العجائز تخترق الجدران إلى الخارج، والشمس الذهبية تعم المنازل.
تميزت الرواية بالتسارع الزمني ( بعد سنوات من الأيام الرمادية ، مرت ثلاثة أيام )، ثم إن الحوار ، وهو عامل إبطاء زمني غير موجود في ثنايا رواية الساردة زيان ، وأحسب أن هذا التسارع قد حرم القارىء الكثير من التفاصيل التي كان من الممكن أن تضيف إلى الرواية الكثير من الوصف والأفكار التي يمكن للمؤلف غصالها للقارىء عبر هذا الحوار، ولعل هذا التسارع الزمني الذي بلغ حد انتقالها وأهلها للعيش في سوريا لعامين كاملين دون ذكر أي شيء عن هذين العامين قد أوصل الرواية إلى هذا العدد المحدود من الصفحات ؛ إذ لاتزيد الرواية بشقيها المتناوبين عن المئة صفحة ونيف.
استطاع الروائي سالم بن سليم أن يعلن عن نفسه روائياً صاعداً يمتلك الكثير من أدوات كتابة الرواية الناجحة ؛ مما يمكنه ، في روايات قادمة ننتظرها، أن يكون أكثر قدرة على صنع الحبكة، ورسم الشخصيات ووصفها ، ووصف الأماكن والأحداث بشكل تفصيلي يمنحنا القدرة على أن نعيش الأحداث مع أبطال رواياته وكأنا نحياها في الحياة المعاشة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!