في الماضي.. لم أكنْ مُهتمّا بحفظ تاريخ ميلادي.. كانت أمّي تخبرني في بداية كلّ شتاء من كلّ عام..بلهجتها المُحبّبة إلى قلبي:
-“جِبتكَ (ولدتُكَ) سنة الصهاريج”.
لم يبق من يُريحني من عبء حفظ يوم ميلادي بالضبط، بعد موتها.
منذ سنة، وأنا أردّدُ ما هو مُسجّلٌ في بطاقتي هُويّتي، بالكاد استطعتُ حفظه، وتذكّرتُه في مثل هذا اليوم.
– “كم أنتَ يا قلب أمّي..!! عظيم.. مُثقل بِحَملي خمسة وخمسين عامًا.. بلا تأفّف..!!”.
تبريكات وتهاني بالكلمات الرّقيقة، ورموز خاصّة بأعياد الميلاد. رغبتي عارمة بالبكاء، علّ الدّموع تطفىء لظى سنين عجاف.
سيّدتي.. تُكفكفُ دموعي، ووعدت:
– “سأوقدُ لك شمعة..”.
– ” سيّدتي.. أوَ تظُنّينَ لو أوقدت كلّ شموع الكون، هل تضيء زاوية معتمة في روائيٍْ مثلي..!!؟”.
– “لن أدع فتيلة واحدة بلا نار”.
– “سيّدتي.. الحزن يُداهمني.. وأنا لا أجد مكانًا لإيقاد شمعة واحدة، الظلام دامس، ولا بصيص لجَذوةٍ تلوح من بعيد”.
– “يا سيّدي.. بكلّ الضوء الذي فيكَ.. لا تحتاجُ سوى أن تُغمض عينيك..!!”.
أسدلتُ جفنيّ لذاك اليوم.. ارتسمتْ صورة المسيح عليه السّلام، ونحن نولد معًا في ليلة واحدة.. ونبراتُ أميّ تُؤطّر المشهد مُجدّدًا بتفاؤل، على وقع تراتيل روحانيّة:
– “المجد لله في الأعالي.. وعلى الأرض السّلام.. و بالنّاس المسرّة”.
* من كتاب (بتوقيت بُصرى) الروائي محمد فتحي المقداد