قلبٌ من سندس/بقلم:سمير محمد

أنتِ، التي تراكمت في ملامحكِ أفكارُ العصور،
أنتِ التي انبثقت بين شقوقِ الزمن،
كغيمةٍ لا زالت تنبت المطرُ،
لكنَّها كانتِ دوماً هنا،
أخفّ من الرياحِ وأبقى من الحلم.

كنتِ أسيرُ الطرقِ التي تؤدي إلى فراغٍ موحش،
أنتِ، في كل لحظةٍ، تقنعينَ الحيرةَ بأنّها حقيقةٌ واقعة،
أنتِ في الحقيقةِ جسرٌ بين الأحلامِ،
وما كان يمكن أن يكون واقعًا،
كنتِ الصوتَ الذي ينتهي وترا ولا يبدأ.

قلبٌ من سندسٍ يحيي كل من لمسه،
لكن ليس كل من لمسَ هذا القلبَ كان يدركُ المعنى،
الذين جاؤوا ظنّوا أنه مجرد سراب،
أو خيالاتٍ عابرةً تهربُ من تحتِ الأقدام،
لكنَّ من عرفَ كيف يتنفسُ الليلَ معكِ
عرف أن الحبَّ في النهاية ليس سوى اكتشافٍ للنفس.

أنتِ الذاكرةُ التي عادت بلا موعد،
كلما عبَرتِ في لحظةٍ، تذكرتُ أزمنةً
كنتُ قد تركتها وراءَ أنفاسي،
وعرفتُ أن الحياةَ تذكرُ كل شيءٍ إلا هي.

لكنَّ من لم يقترب إلى الجوهرِ،
لن يفهم بأن هذه اللمساتِ لا تُقاسُ بالأيام،
بل تتجاوزُ الزمنَ،
وتتركُ أثراً في الأعماق،
كأنها مرآةٌ، تتشققُ كلما نظرتُ إليها.

أنتِ حكايةٌ لا تبدأ ولا تنتهي،
ولا يحتاجُ الكتابُ لصفحاتٍ ليرويها،
فالحقيقةُ أنكِ لم تكوني أبداً حلمًا
بل تجربةٌ فاقتِ كلَّ الممكنات،
وأنا الذي جئتُ إلى هذا الطريق
أدركتُ أنه ليس الطريقُ الذي يحددُ النهاية،
بل نهايةُ الطريقِ هي التي تُعيدُ تحديدَ الطريق.

أستطيع أن أخبركِ بأن الحياة كانت لحظةً جئنا فيها لنتعلم كيف نكون أكثر عمقًا، وأكثر يقينًا أن حبَّنا لم يكن سوى محاكاةٍ لوجودٍ لا ينتهي. ومع مرور الزمن، وجدتُ أنَ اللحظات التي ضاعت كانت هي وحدها التي أعطت لهذا القلبِ معنى، وكانَ الوجعُ في النهاية هو الدرسُ الأعمق،
والذي لم أكن أعيه إلا بعد أن أضاعني الليل.

تسكنين بين أضلعٍ مُرتجفة،
كأنكِ تُولدين مع كل نبضةٍ
وتغادرين مع أول شمسٍ تشرق من غيابٍ.
لم تُريني العالم كما هو،
بل جعلتِ كل شيءٍ يبدو كأننا نراه لأول مرة،
وكأننا نعيش عمرًا آخر بعيدًا عن هذا الزمن.

في لحظةٍ كنتِ فكرةً،
ثم صارت تلك الفكرة خيطًا ضاع في الرياح،
أما أنا فكنتُ أبحث في الصمت
عن شيءٍ لا أفهمه،
كنتُ أرى نفسي في عينيكِ
حتى ظننتُ أنني نسيتُ ما كنت عليه
قبل أن أراكِ.

ليست لمسةً عابرة،
بل هي الحياة في قاعِ الظلام،
تخرجُ منكِ لتنيرَ حيرةً في ملامحِ الزمن.
كل لحظةٍ دونكِ كانت كالخوف الذي لا يعترف بالزمن
ولا يشبع من الأسئلة.

كنتِ سرابًا ينعكس في عيون العابرين،
وتفاصيلكِ التي تتبدد كأصداء الجبال،
كنتِ كفكرةٍ لا يمكن الإمساك بها
لكنها تملأ كل لحظةٍ مضت،
تدخلين إلى ذاكرتي في كل منعطف،
وتخرجين من فمي دون أن أقول حرفًا.

لم يستطع أحدٌ سبر أغواركِ،
تخفي خلف جمالكِ أسئلةً عميقة،
وتسكنين بينَ تلك الإجابات التي لا تجد مكانًا في العالم.
كأنكِ الهواء الذي لا يمكن للإنسان الإمساك به،
ولكنه يُحيي الأرض بأسره،
كما يحيا الوجود في لحظةٍ من الفراغ.

ما الذي يمكن أن تتركه الحقيقة حين تلامس قلبك؟
هل هي مجرد كلماتٍ تذهب مع الريح،
أم هي الشهادة الوحيدة التي تظلُّ محفورةً
بين يديكِ، كما يُحفَظ السرُّ في باطنِ الأرض؟
أنا الذي جئتُ إليكِ أبحثُ عن بعضٍ من الراحة،
وجدتُ نفسي أرتحلُ بين الأزمان،
أجدُ نفسي أبحث عنكِ في كل الأوجه
وفي كل الفصول التي مضت.

أدركتُ أنَ الحياةَ ليست سوى هذه اللحظات التي نتقاسمها
مع أولئك الذين لا نفهمهم، ومع أولئك الذين لا يفهموننا.
لكنهم جميعًا ينتمون إلى لحظةٍ واحدةٍ،
تغني عن كل الكلمات، وتثبتُ أن الحب هو أكثر من مجرد شعور،
إنه تجربةٌ لا يُمكن الإمساك بها،
تتركُ لنا مساحةً من الصمت،
نتعلم فيها أن كل ما كان،
كان حكايةً ستُكتبُ في النهاية
لكنها لن تُروى أبداً.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!