إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
عمر زيادة من رام الله-فلسطين يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث غزّة”؟
مستويات تردّدات الحرب في غزّة
عمر زيادة/رام الله
1-حرب أم إبادة؟
مخطئ من يظنّ أنّ ما يحدث في غزّة هو ببساطة ردّة فعل على هجوم السابع من أكتوبر. الأمر يذهب عميقاً أكثر من ذلك. فالحرب في غزّة لها تردُّدات ومقاربات كثيرة على عدّة مستويات.
فلو نظرنا إلى الأمر من منظور عسكري مجرّد فالحرب خرجت من فكرة المواجهة العادية بين فصائل عسكرية مقاومة وجيش احتلال متقدِّم عسكريا وتكنولوجيا واستخبارتيا إلى الإبادة ومحاولة الاستئصال النهائي للحاضنة الشعبية أولا وصولا إلى جذور المقاومة بكافة امتداداتها. والاحتلال يتّخذ نموذجين سابقين يبني عليهما في حربه المسعورة ألا وهما:
أولا: نموذج حرب أمريكا على فيتنام لما لها من أوجه تشابه عديدة.
وثانيا: نموذج حربه هو نفسه على لبنان عام 1982. معتقدا أنّه بالجمع بينهما يمكنه الوصول إلى الحلّ النهائي والدّقيق للقضاء على المقاومة.
2-بُعد الحرب على مستوى الشعب الفلسطيني
ولو تأمّلنا أبعاد هذه الحرب على مستوى الشعب الفلسطيني برمّته. نجد أنّ الأمور تذهب إلى مناطق أخرى أكثر خطورة. فالحرب من منظور الاحتلال هي تحضير عقلية المجتمع الدولي والعربي لنكبة جديدة. فحين يرتفع مستوى الدّم المسفوك سواء في غزّة أو في الضّفة يصبح المخرج الوحيد لهذه المراكمة الدموية والتضييق اليومي الإجرامي المستمر هو النزوح إلى مناطق أكثر أمنا كما حدث في عدّة قرى صغيرة فعلا سواء في الخليل أو نابلس وكذلك أريحا. خصوصا مع ضعف السلطة الفلسطينية الذي لا يمكن إنكاره ومحاولات الاحتلال إضعافها أكثر وحتّى وضعها على خطّ المواجهة. ليصبح عندها الوضع مفتوحا على سيناريوهات متعدّدة كلّها في صالح الاحتلال واستراتيجيته الإقصائية وتموت أي حلول أو حتى أشباه حلول لأيّ وجود فلسطيني بأيّ شكل من الأشكال.
3-بعد الحرب على المستوى الإقليمي
ولو أخذنا الأمر إلى مستوى إقليمي أوسع؛ نجد أنّ السابع من أكتوبر ومن ثم الحرب الدموية جاء كنتيجة طبيعية لحالة الاحتقان وسياسة المحاور الإقليمية القائمة منذ فترة ليست بالقصيرة. فالاحتلال في حربه يلعب أوراقا ماكرة تتعلّق بمحاولة جعل المقاومة تبدو كأنّها مشروع إيرانيّ ورأس حربة في المواجهة الكبيرة الشاملة. وأن اجتثاث هذا المشروع ما هو إلا خدمة يقدمها لدول عربية في المحور المقابل. وهذا أمر جدّ خطير. إذ يجعل الدم الفلسطيني مجرّدا من فلسطينيته ومسفوكا على أجندات أخرى كما يدّعي الاحتلال، محاولا بذلك الحصول على شرعية القتل والتدمير وتقزيم الرأي العام العربي وتفريغ الضغوطات. ولا شكّ أن هذه المقاربة يتّضح زيفها وكذبها يوما بعد يوم ككلّ المقاربات التي تنتهجها بروباغندا الاحتلال.
في النهاية، الذي يدفع الثمن بدمائه وبيوته ومدنه وقراه وأحلامه وسلامه ورغبته البسيطة في الحياة هو الشعب الفلسطيني الذي لا حول له ولا قوة في مواجهة هذه الآلة الدّموية التي لا تعرف لغة سوى القتل والتدمير والمجازر.