هلوسة الحزن
***********
سكين الحزن
تحز القلب ….
والانين يعلو
الروح تناثرت اشلاء
والموج عال عال
وصفع الريح عنيف
العين لم تعد
ترى
والضباب كثيف كثيف
اصرخ
اني افتقدني
احاول ان
الملمني
الليل اذ كشر
وحش مخيف
نهاراتي بالأسود
تكحلت
وانا اتلحف الابيض
وبين زرقة الخوف
وبياض الرحيل
يسكن
قلب يتيم
وحرف
بدرب المعاني تاه
وانت هناك تعدين
كجل المساء
قهوة المساء …
وفي القلب
تنثرين عطر الياسمين
وتلقين الي
بشرشف الحنين
تطلين كنجمة
يبتلعها خوفي
وانا
الراعف حبا
اتلاشى كالمغيب
كبقايا دم
في شريان
على بوابة
الشوق علق
عيناه جمر
ودمع كقطرات
الندى شفيف
بقلم محمد صوالحة
************************************
تساهم المعاناة في توليد صراعات جسيمة داخل النفس ، مما يؤدي إلى انبثاق الإبداع لدى الانسان ، عن طريق اختزالها ضمن اطار التجربة …
هكذا اختزل الشاعر محمد صوالحة معاناته التي يعيشها في كلمات، فجعل للحزن سكينا تحز القلب فيعلو أنين الروح … فهو يعلم ان معاناته ليست بالصدفة الاعتباطية بل هي قدر مُقدر ، و هي وسيلة لفهم الحياة على حقيقتها ، فهو و إن كان لا يعبر عن ذلك من خلال كتاباته إلا أن لديه كم هائل من الأسئلة تتعبه و تقض مضجعهه وتجعله لا يفهم الكثير من الأشياء حوله ، فنراه يحاول جاهدا فهم معنى الحياة و أسباب الوجود الانساني … فوجوده مقترن بالحزن ، فهو لا يحس بوجوده إلا من خلال أحزانه ، و الحزن هو سبيله الوحيد لفهم ذاته و قراءتها القراءة الصحيحة و التعرف عليها عن قرب ، لذلك نجد الحزن هاجسه الوحيد و الأبدي .
و تتضح معالجة محمد صوالحة للحزن كمفهوم من خلال هذه القصيدة التي بين أيدينا ، حيث وظف فيها صراعاته النفسية الداخلية ، و التي تشي بمدى فهمه لكينونتة و شخصية التي يخيم عليها الحزن و يلفها التشويش و الغموض ،اذ يقول :
العين لم تعد
ترى
و الضباب كثيف كثيف
إنّه شاعر يعيش القصيدة حبا ، ألما و مواجع ، يهدي ، يُخاطب ، يتحدث .. يصرخ .. يعبر عن كل ما بداخله لكنه يعيش الحبَّ ، للحب و بالحب نحسه يتنفس و يعيش .. لكن ما نجهله هو هل يعيش هذا الحب واقعا أم بخياله ، بروحه و قلمه ..
يصعب عليه التعامل مع نفسه داخل عالمه إذ يفتقد نفسه ، يحاول أن يلملمها لكن .. هكذا يقول : ” اني افتقدني .. احاول ان .. الملمني .. الليل اذ كشر .. وحش مخيف .. نهاراتي بالأسود .. تكحلت .. و انا اتلحف الابيض .. ” فماذا يقصد بالليل ؟ و لما وصفه بالوحش المخيف ؟
قد يكون ليله هو معاناته و الحياة التي يعيشها تلفحت بالسواد و كثرت مصائبه و أصبحت تخيفه .
فنهاراته تكحلت بالأسود و هو يتلحف الأبيض ، يحاول ان يجد منفدا يدخل النور من خلاله ، هو بصيص الأمل الذي يعيش به … لكن الخوف الأزرق يهيمن عليه و بياض الرحيل الضبابي يكاد يعتم الأشياء لديه ، و بينهما يسكن قلب يتيم و يقصد به الشاعر نفسه ، يتيم الحرف و المشاعر ، و حرف بدرب المعاني تاه و يقصد كتاباته ، كلها نتائج توصل اليها الشاعر بعد بحث و تفحص عميقين … و بين كل هذه الأشياء تطل هي ـ الحبيبة ـ و كعادتها تعد قهوتها المسائية المعتادة ،إنه الحبّ الذي يشعر به مع الحبيب الغائب الحاضر ، غائب واقعا حاضر في قلب الشاعر ، خلده و تفكيره ..
ذاك الحبّ الذي يوحي بطابع الحزن .. و الألم .. فالشاعر يكتب بنفسٍ حزينة .. لأنه يحلم بحبيبته الذي يشعر بقربها .. يحلم بسكينة النفس وراحتها …
لكنه رغم كل أحاسيسه إلا أنه
يتلاشى كالمغيب ،
كبقايا دم
في شريان
على بوابة
الشوق علق
عيناه جمر
و دمع كقطرات
الندى شفيف
فشاعرنا كيان فريد من نوعه ، ممزوج بوجدٍ و شوقٍ ، حنين و اغتراب .. و جوع فكريّ لا ينتهي ، و عطشٍ روحيٍّ لا يرتوي ..
يحب بعمق لكنه على استعداد أكبر للشجن و الألم ، و يغلب عليه الحزن … و هذا يشير إلى أنّ شاعرنا فنّان رقيق ، مبدع و حساس …
احمد وليد الروح