الروائي البعسي وسيره على خطى ملشان أريم/بقلم:كمال محمود علي اليماني

من سلسلة قرأت لكم :
********************

بين يديّ اليوم رواية بعنوان ( على خطى ملشان أريم ) ، وهي أولى روايات القاص ابن شبوة علي محمد البعسي ، وهي من إصدارات دار نشر عناوين لهذا العام 2024م ، وجاءت في 121 صفحة ذات المقاس المتوسط.
وبالنظر إلى عنوان الرواية باعتباره العتبة الأولى للولوج إلى عالمها ؛ نجد العنوان عبارة عن حرف جر ملحوقا باسم مجرور ثم إضافة ، وأحسب أن العنوان في الأصل عبارة عن جملة فعلية لفعل مقدّر هو نسير ، أو فلنسر ، فتكون الجملة حينها ( نسير أو فلنسر عل خطى ملشان أريم )، ذلك أن الجملة الفعلية تحمل في دلالتها الحركة والفاعلية ، لاسيما إذ انتبهنا إلى أن أغلب حروف العنوان حروف جهرية ، بما يوحي بقوة فعل السير الذي تم تقديره.
وملشان المذكور في العنوان هو أحد التبابعة الحميرين، والذي تم توحيد اليمن أثناء ملكه قبل قرون بعيدة .
، وإذا ماعدنا إلى الغلاف لوجدناه قد انقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ علوي صغير حمل اسم الراوي، وأسفل منه بما يقترب من النصف حمل تجنيس الكتاب كرواية ، وظهر فيه أيضا اسم الرواية مكتوبا بالخط العريض الأبيض في إشارة إلى إشراقة وضياءات هذه الخطى المباركة ، وواضح أن رسم العنوان جاء بما يتناسب مع رسم الخط المسند الذي تميزت به الحضارة الحميرية ، في إشارة جلية إلى نزوع الروائي إلى استحضار تاريخ الممالك اليمنية القديمة ، وبدت الخلفية حمراء لتدل ، فيما أرى ، على المعارك الضارية ، والدم المسفوك فيها ، تلك التي خاضها التبع ملشان أريم في توحيد اليمن ، والحفاظ على هذه الوحدة .
وفيما تبقى من غلاف الكتاب ظهرت صورة أحد الملوك ، ولعله التبع ملشان ، وهو ممسك باليد اليمنى بصولجان الملك، وباليد اليسرى سنبلة ، وفي هذا دلالة إشارية إلى النماء والرخاء في عهده، وعلى يمين الملك منحوتة أظهرت عناقيد العنب أو البن ، وأسفل منها رؤوس ثلاثة وعول ، والوعل هو رمز من رموز الحضارة اليمنية .
ولقد ورد ذكر ملشان في الرواية عدة مرات، بما يعني أن خاصية تضمين العنوان في متن الرواية كانت حاضرة وبقوة ، وبهذا يكون الروائي علي محمد البعسي قد أفلح منذ العتبة الأولى في جذب انتباه القارىء وإغرائه بالبحث عن شخصية ملشان هذا ومعرفة ارتباطه بأحداث الرواية .
ولقد عمد الروائي البعسي إلى تجنيس كتابه روايةً ، هكذا فحسب ، وبالنظر إلى عنوانها، وماحواه الغلاف من علامات ذكرت سلفا ، يتضح جليا أنها رواية تاريخية ، أو قل على وجه الدقة، وحسب اقتراح د. عبدالله إبراهيم الناقد الأكاديمي العراقي ، تخييل تاريخي؛ إذ أنه لايستعيد التاريخ بأحداثه وشخصياته كدأب الروايات التاريخية التقليدية ، ولكنه يقوم بتوظيف التاريخ ويستثمره بغرض فهم الواقع من خلال الماضي ، وفي التخييل التاريخي تكون الشخصيات المتخيلة هي الشخصيات الفاعلة والمحركة للأحداث ، وهذا مايتبدى لنا من خلال راوي الرواية ( لهمان بن يحصب) الشخصية المحورية ، إلى جانب شخصيات أخرى متخيلة مثل: صديقه ريدان، مسرور ، المولى بديع ، الأميرة وعد ، وغيرها من الشخصيات التي لعبت أدورا هامة في حبكة الرواية ، وفي الحبكات الثانوية كالتاجر اليوناني ، والجارية الحبشية ، والمولى بركات.
ورد ذكر بعض المدن والأماكن التاريخية مثل: سرو، عبدان، ظفار ( وهي ليست ظفار عمان ، بل ظفار إب التاريخية التي كانت في زمن سالف عاصمة لمملكة حمير ) .
بطل الرواية ( التخييل التاريخي) قائد عسكري متخيل من قبيلة ( ضيفتين) من بلاد سرو الخاضعة لمملكة حمير، وكان هو السارد لأحداث الرواية ، وهو سارد مشارك ، يبدو عليما حينا ، وغير عليم حيناً آخر.
وقد كان خط السرد أفقيا باسترجاعات ضئيلة ، وتقاسم المتنَ فيها السردُ والحوارُ بصورة لافتة لنظر القارىء.
ولقد تركزت حبكة القصة الرئيسة ، إلى جانب الحبكات الثانوية المتواشجة معها، في الانتصار للمجتمع الذي أنشأه التبع ملشان أريم بقيمه وأعرافه وتقاليده ، وسعي أبطال القصة الحاملين لذات القيم إلى توطيد هذا المجتمع ، والعمل على صد أي خيانات أو عدوان يسعى لزعزعة هذا المجتمع ، أو غزو خارجي يعمل على فرض نفوذه ، والقضاء على المملكة اليزنية الحميرية .
وكانت نقطة التحول في الرواية، وهي حسب تعريفها (هي أعلى نقطة توتر درامية في الأحداث، أو الوقت الذي تبدأ فيه الأحداث بتقديم الحلول)، ظهور القائد العظيم شرحئل يقبل كبير بنى لحيعة يرخم ومعه قومه وعدد من القبائل اليزنية ، وهو الأمر الذي أحال الهزيمة إلى نصر.
ويمتد زمن القصة من أول يوم غادر فيه البطل القائد ( لهمان بن يحصب) ومعه جند آخرون من قبيلته ؛ غادروا بلاد سرو متجهين إلى بلاد الشرق، وحتى عودتهم إليها ثانية بعد أن دارت أحداث الرواية ( التخييل التاريخي ) ، ومافيها من مناوشات وحروب ، وماتضمنته من انتصارات وانكسارات ، واستغرق كل ذلك أشهراً عديدة ، أما الزمن التاريخي فهو العام 518م.
وفي خضم أحداث الرواية يتبدى الغرض الأساس الذي من أجله كتب المؤلف البعسي روايته ، فهو يريد من خلالها أن يسترعي انتباهنا إلى أهمية أن نتحد جميعا ، ونوحد جهودنا وصفوفنا ضد العدو الأجنبي الذي يترصدنا ، وإن كان البعسي لم يفصح عنه ، وترك لذكاء القارىء االحصيف معرفته، وأن لا نجعل من أبناء عمومتنا أعداءً نوجه أسلحتنا إليهم ، في حين أنهم هم ظهرنا وسندنا ، بدليل أن انتصار القوات الحميرية ( اليزنية) التي كانت على وشك الانهزام الساحق من قبل قوات الأحباش الغازية ؛ لم تتحقق إلا بعد أن ساندهم وبقوة جيش أبناء عمومتهم من القبائل اليزنية الحميرية.
الرواية منذ أول عتبة فيها وحتى آخر كلمة منها تسعى لتمجيد التبابعة والأقيال الحميريين ، وهي تتعاضد مع الدعوة الجديدة التي ظهرت حديثا والتي تنادي بهكذا تمجيد ، وهي دعوة – كما يقول أصحابها- قومية جاءت كرد فعل للتغول الحوثي بسبب من سلاليته ، فاتجهت هي بعيدا عن السلالة ، بل وعن الإسلام أيضا ، وتدعو إلى قيام مجتمع مدني علماني ، وكأننا في بلد غير مسلم 100% . لست أدري إن كان المؤلف محمد علي البعسي قد انطلق من ذات الإيمان حين كتابته لروايته ( التخييل التاريخي )، أم أنها جاءت متقاطعة مع تلك الدعوة.

الرواية جميلة واستطاع الروائي البعسي من خلالها أن يرسم حبكات ثانوية تعاضدت – كما أشرت سلفا- مع الحبكة الرئيسة للرواية ، وحملت في ثناياها تشويقا يدفع القارىء لالتهام صفحات الرواية التهاما ليصل إلى الخاتمة.

على الغلاف الأخير ظهرت كلمة للأستاذ د. عبدالحكيم باقيس صرح في نهايتها “عن إعلان محمد علي البعسي في كتابته هذه الرواية عن وعيه بكتابة الرواية ووظيفتها الجمالية والاجتماعية”. فهل بعد شهادة أستاذنا من شهادة؟!

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!