كان لاتفاقية أوسلو التي تم ابرامها سنة 1993 التغيير الكبير على خارطة الشرق الأوسط ككل وما تضمنته من ارتدادات في القرارات العربية والأجنبية وليس على فلسطين فقط من خلال المواقف التي تبنتها العديد من الأنظمة الحكومية مع القضية الفلسطينية، الاتفاق الذي تم فيه الإعلان عن اقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي عُرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية، كما تضمن الاتفاق نصوصا والتزامات تخص الحدود واللاجئين ، والجانب الأمني والمستوطنات وغيره مما يضمن الاستفادة مما تملكه فلسطين تقسيما يرضي الكيان الاسرائيلي ، وهو ما تم فعلا وعلى مر سنوات ،اذ لم تشهد فلسطين ماعدا المزيد من التضييق على سكانها وتهجيرهم قسرا ومنعهم من حقوقهم وأراضيهم وحتى حق العودة الى الأرض لمن اختار الهجرة لسبب أو لآخر..الا لظرف خاص وبمتابعة مستمرة ،اذ لا حرية حقيقية يعيشها الفلسطينيون في بلدهم ولا حياة هنيئة يشعرون مهما بحقيقة الانتماء لأرضهم.
ويستمر الصراع بين شعب فلسطيني يريد التشبث بقيمة وطن وبين كيان محتل يريد أن يصاهر سياسيا وبلا وجه حق ويصادر بلا حدود النسبة الكبيرة من ملكية الأرض والمقدسات ضمن التقسيم الزماني والمكاني لحدود القدس، ليس جديدا على القضية الفلسطينية أن تقص حكايتها لمن يريد أن يكتب الجديد عنها ، فالجديد نقلته وسائل الاعلام وأعلنه تاريخ السابع من أكتوبر ليشهد العالم التحول الكبير في توجهه العالمي للدول القوية الي تراقب المشهد وبتركيز وفي توجهه للدول المستضعفة التي لاقت مساندة وتضامنا شعبيين واسعين في التضامن والمطالبة بوقف كل أشكال التعدي والحرب ومنع استنزاف دماء الأبرياء تحت غطاء أنا وما بعدي الطوفان.
لن يكون ثمة بد أو فرصة للقول أن فلسطين عرفت تحسنا على الظاهر فيما يخص علاقاتها مع الأشقاء الا ما تم ذره غبارا في شاكلة رماد على صفيح ساخن من الصراع لا يريد أن ينتهي ، والتحول قائم هنا وهناك، قائم في الرأي والموقف وشكل الدعم الذي لم يكن كما كان مرجوا ، قائم وتحت لائحة الانتقاد ، وكيف لا يُنتقد هذا الدعم الذي كانت المساعدات للشغب الفلسطيني توصل رميا في الهواء بلا حسبان ولا تقديم للخدمة على نسق بروتوكولي أخلاقي يضمن العزة ويعكس بنود الأخوة الحقيقية.
ان ما عاشته فلسطين في السابع من أكتوبر هو انهيار للبنى التحتية وحصيلة ثقيلة للشهداء من أطفال أبرياء ونساء حوامل وتدمير للمستشفيات والمنازل ،وعلى الضفة الأخرى من الاجتماع والتشاور يعقد مجلس الأمن في خطة تلو الأخرى لقاءاته عله تشفع له الأمم في أنه يقوم بالواجب الدولي والإنساني كما ينص عليه القانون الدولي ، ولسان الحال يقول أن لا قانون ولا لائحة عمل ولا تعلمية دولية ردعت إسرائيل بالكامل لتوقف لهيب حربها المشتعلة والمدمرة ، ولهذا نتساءل في خضم هذا الكم الهائل من التحول العالمي الذي يراقب توقف فتيل الحرب في كل لحظة وبتساؤل:
فلسطين الى أين؟.
فلسطين الى أين ؟، ليس السؤال موجها لجهة معينة بذاتها ولا لدولة تملك الكثير من الشجاعة لتعلن مساندتها الكاملة والفعلية في الميدان لفلسطين ، وانما فلطسين الى أين؟ ، يعني متى تتوقف الحرب ؟ أو على الأقل : هل ثمة بصيص أمل في نصر مكتمل الجوانب باسترجاع الأراضي واطلاق سراح الأسرى وإعادة الاعمار لغزة من جديد، ثم من سيتولى هذا الاعمار مستقبلا؟ وهل من سيتولى التجنيد لإعادة البناء ستكون له أطماع في أرض فلسطين او في قدسها أو على الأقل في أرض الميعاد ؟.
لا شيء يبدو واضح المعالم بعد تكلفة ضريبة ثقيلة جدا لأكثر من 40139 شهيد ، من بينهم 16365 طفل، 11012 نساء و 885 من الطواقم الطبية و165 صحافي و496 من كوادر التعليم، حصيلة ثقيلة ثقل معاناة أهل فلسطين الأبطال، عزيمة لا تخبو وتحد لا ينطفأ وشعلة متوقدة رافضة لكل اشكال الاحتلال والتوسع الممنهج لإقامة المزيد من المستوطنات. وماذا عن العرب وصلة الأرحام لدى أبناء وعمومة العرب وقصة الولاية العربية على المقدسات التي لم نشهد ولم نتابع موقفا مشرفا يضمن سلامة الروح والجسد والعقيدة والأرض ؟ ،ماعدا الكثير من أساليب غسل ماء الوجه ببعض المواقف التي لم تسع حصيلة الشهداء المقدمة ، وماذا بعد عن فلسطين الأبية، فلسطين العزيمة والأرض الطاهرة فلسطين التي فهمت واستوعبت الدرس أن لا محرر لها ماعدا أبنائها ومن سيسخرهم الله لنجدتها كما وعد في محكم تنزيله.
على المدى القريب، لا يبدو ثمة حل واضح وبناء وفاعل في إيقاف هذه الحرب على غزة تحديدا ويبدو التوسع وارد في باقي ضفاتها ، لأن الفكرة فكرة احتلال وفكرة اغتصاب لوطن وفكرة تدمير لقيم ومبادئ ، ولكننا لا نشك أن قلوب الجماهير ملتفة حول فلسطين وتدعم شعب فلسطين الأعزل ، ويكفي أنه صامد ومقاوم وباسل ومغوار ،هذ الشعب الذي فهم أن مشروعه الحقيقي والهادف هو مشروع شهادة من أجل حماية الرض والمقدسات.
ثم ،هل ثمة أرقام توضح المزيد من التخطيط الممنهج لإيقاف محاولة التحرر من عبثية كيان محتل؟ ،ربما هي في مسار أن تكون مع جيل الشباب الذين فتحوا أعينهم على جثث أهاليهم، فكيف لهم أن لا يكبروا على مشروع إعادة الاعتبار وانصاف الجرح الغائر في قلوبهم الدامية الباكية الشاكية الى الله تعالى وهم يدفنون يوميا شهدائهم؟ ،
ولربما الحل الأنجح يكمن في الغاء الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين والتي قننت الاحتلال بوجه الأحقية في امتلاك جزء مما يملكه الفلسطينيون ان لم يكن الكل مع مرور الوقت .
فعقيدة فلسطين هي عقيدة من آمنوا بها بالأمس دولة محررة قائمة بذاتها مستقلة عمن عاداها، عقيدة فلسطين هي عقيدة تحرير القدس من جميع المخططات التي تطاله على مر الزمن لولا رباط المقدسيون الذين ما توقفوا على الدفاع عن المسجد الأقصى ولا مرة من أجل الوقوف كجدار حصين لمنع محاولات تدميره رغم التضييقات والمطاردات والاحتجاز والأسر، فأي شعب أنت ؟ وأي بطولة تحملها بين دفتي كفاحك؟.
عبثا يحاولون ، أولئك الذين يحاولون النيل من فلسطين حتى تركع، وأن يركع أهل فلسطين ويسلموا للواقع المؤسف الذي كتبه الشهداء بدمائهم وأرواحهم الأبية، لكن فلسطين تأبى الا أن يستمر الكفاح المتواصل الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، مصداقا لقوله تعالى ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا” الآية 23 من سورة الأحزاب.