لَمْ أقصدِ الشعرَ،
كانَ الأمرُ تسليةً مع الفراغِ،
ولهوًا يقتلُ الضَجَرَا
حاولتُ أنْ أمنحَ الأشياءَ ألسنةً
لكي تقولَ معي: ما أطولَ السَّفَرَا
أنْ أسمعَ الماءَ
في إيقاعِ خطوتِهِ،
وأن أُجرَّدَ من فخَّارِهَا الصُّوَرَا
حاولتُ أنْ أقرأَ الدنيا على عَجَلٍ
كأنها رعشةٌ،
أو خاطرٌ خَطَرَا
كأنها شارعٌ في الحلمِ أعبرُهُ،
ولا أدنِّسُ في أحوالهِ النَّظَرا
وكنتُ وحدي،
تكادُ الأرضُ تقذفُنِي عن ظهرِهَا،
والفضاءُ الواسعُ انشَطَرَا
وكانَ بيني وبيني
خيطُ هاويةٍ من الظلامِ،
وبابُ اللحظةِ انكسَرا
فقلتُ: أحتاجُ بنتًا ترتدي جَسَدِي
لأشرحَ الليلَ،
أو أستأنسَ السَّهَرَا
لأستعيدَ بكائي تحتَ شُرفَتِهَا،
مُعَاتبًا وَرْدَهَا العالي
ومُعتذِرا
هذا الحنينُ قديمٌ قبلَ فكرتِهِ،
كأنني كنتُ طولَ العمرِ
مُنتَظِرا
كأنَّ راحتَهَا مرَّتْ على شَفَتِي
قبلَ الكلامِ،
وهزَّتْ في فمي وَتَرا
فقلتُ أكتبُ عن جنَّاتِ ضحكتِهَا
كأنَّ ماءً
سماويَّ الغموضِ جَرَى
وأكتفي باسمِهَا عن كلِّ واردةٍ،
كأنَّهُ لغةُ القلبِ التي ابتكَرَا
ذهبتُ للحبِّ،
لكني وجدتُ دمي
يسيلُ فوقَ يَدِ المعنى، وكنتُ أرَى
وعُدتُ من كهفِهِ
لا ظَلَّ يصحَبُنِي،
مُحدِّثًا عزلةَ الغاباتِ والشجَرَا
كانَ الهواءُ شجيًّا،
رُبْمَا انبَعَثَتْ منهُ الشجونُ،
فسارَ القلبُ حيثُ سَرَى…
وكانَ فوقَ شفاهي
طعمُ أغنيةٍ عن الحنينِ ،
وقد صارَ الخيالُ قُرَى
أقولُ يا تعبَ الأركانِ
كنْ تَعَبِي،
ويا بحارُ اغزِلِي من وَحشَتِي جُزُرا
مُمَزَّقَ الثوبِ
جئتُ الحفلَ مُرتَبِكًا،
وتحتَ عينيَّ نهرٌ جَفَّ وانْحَسَرَا
لم أقصدِ الشِّعرَ،
أغرتْنِي متاهَتُهُ،
وعَلَّقَتْنِي على أسوارِهِ قَمَرَا
أراقبُ الأرضَ من أقصى مَجَرَّتِهَا،
وأحرسُ الريحَ
كيلا تجرحَ الأثرا
وفي شرودي يمدُّ اليأسُ مِنْجَلَهُ،
ويأكلُ الغَدُ حلمًا كانَ مُدَّخَرا
بحثتُ في الشعرِ عن معنًى يُدثِّرُنِي
خلفَ المجازِ،
فلمَا صُغتُهُ انْدَثَرَا
وها أنا في ظلالِ الصمتِ متكئٌ
على شواطئَ لَمْ يحلمْ بها الشُّعَرَا