بقلم الكاتب /عبدالكريم العرومه
أولاً مقدمة منهجية:-
لكي يقدم القارئ المعني بقراءة النص الأدبي , قراءة حصيفة متناسبة مع مستوى وإرتقاء النص قراءةً إرتقائية تصاعديا بداية من قراءة تعرفية إنطباعية تذوقية إستيعابية مرورا بالمشاركة الوجدانية والمشاعرية , إلى القراءة النقدية التحليلية والفلسفية , مبنية على خبرة القارئ ومنهجيته القرائية وخلفيته المعرفية والثقافية , لكي تكون قرأته التي يقدمها للقارئ أو يخص بها كاتب النص أكثر جودة وإنصافا وموضوعية وحيادية وأكثر قبولا وإقناعاً, لأن الكاتب عن النص يشترك مع الكاتب للنص وبنسبة قد تزيد أو تنقص في مسألة المسئولية تجاه قيمة العمل الأدبي وتجاه القارئ , لأن القارئ سيتكون لديه إنطباع أو موقف فيما إذا كان الناقد منصفا أو محابيا أو مجاملاً للكاتب أو عكس ذلك غير منصف أو متحاملاً أو لديه قصور في إستيعاب جودة النصوص وإبداع العمل الأدبي , أو كانت قرأته بناءً على أرى وإنطباعات مسبقة وغير موضوعية . كل ذلك تعزيزاً لقيمة العمل الإبداعي وجودته بشكل خاص,و للإرتقاء والتطور لمسار الحركة الأدبية بشكل عام وتعزيز قيمة الحقيقة والمصداقية وقيمة رسالة الأدب النبيلة والسامية في تعزيز قيم الخير والحق والجمال والسلام.
بالنسبة لي كقارئ باحث في مجال الإتجاهات والمسارات الفكرية في الأعمال الأدبية , غير غافلاً عن التقنيات الفنية للعمل الأدبي, لذلك عندما يحال إليّ نص أو عمل أدبي , أحاول أن أسلط الضوء لإستكشاف مسار الأفكار وبما تسفر عنه النصوص , و ذلك بعدة منهجيات منها طريقة علاقة التقاطع التشاركية التي تتكون بين القارئ والكاتب في مساحة وميدان النص, ولتبيين تلك العلاقة بدائرتين أحدها تمثل القارئ والأخرى تمثل الكاتب , تلتقيان وتتدخلان بنسبة معينة لتحدث مساحة تقاطع مشتركة تمثل مساحة النص, فتتكون لدينا ثلاث مساحات وعلاقة ثلاثية مترابطة هي القارئ , النص , الكاتب, فيكون النص هو ميدان التلاقي والعلاقة بين القارئ والكاتب, تتكون هذه المعادلة منذ قرار الكاتب إصدار نصه أو عمله الأدبي , وقرار القارئ بالقراءة , تتكون هذه العلاقة بتلازمية تناظرية تقابلية بين القارئ والكاتب. يتحدد فيها موقفي وإتجاهي كلاً من القارئ سواء قبيل النص أو أثناء قراءة النص, فمن ناحية القارئ يتحدد موقفه وإتجاهه وهدفه من قراءة النص أو العمل الأدبي , بناءً على حيثيات قراره الذي أتخذه. على سبيل المثال لماذا سأقرأ هذا الكتاب؟ ما هي الفائدة أو الإشباع الذي سأتحصل عليه سواء كان شغفا أو متعة أو تسلية أو تحقق لي شبع وجداني أو معرفي أو معلوماتي أو معطيات أو تحقق لي حاجة في مجال إهتماماتي أو تخصصي…الخ.
أما من ناحية الكاتب يكون قد حسم هدفه وإتجاهه حال قراره الكتابة والإصدار والنشر لعمله, أي كان نوعه الأدبي والمعرفي, بصورة تقابلية مع الأسئلة المفترضة لدى القارئ التي تكون أجوبتها قد حسمها الكاتب كالتساؤل الابتدائي لماذا أكتب ولمن وكيف ؟ وماذا يحقق لي من هدف أو مصلحة , وما هي القيمة أو الفائدة التي سأقدمها للقارئ أو للساحة الأدبية والثقافية بشكل عام. وما هي الرسالة أو القضية التي أريد توجيها ولمن , وماذا يحقق لي هذا من إشباع أو شغف أو رفع مستوى رصيدي الكتابي أوالمهاري أوالخبرة …الخ.
مع ملاحظة مهمة وهي أن الكاتب ستكون علاقته بنصه علاقة أحادية غالباً ,بينما نصه سيكون ذات علاقة متنوعة متعددة بعدد وتنوع ومستويات عقلية كل قارئ يقرأ النص, ودرجة مستواه الثقافي والمعرفي ومستواه الوجداني أيضا , مثلا فيما إذا كان القارئ قد مر بمسار أو تجربة أو موقف شبيه بما مر به الكاتب ويعبر عنه في نصه , كتجربة حب أو مغامرة , أو معاناة أو تجربة نجاح , فستكون نسبة التشارك الشعوري والوجداني أكثر.
لذلك كلما كان الكاتب من خلال نصه أكثر مصداقية وإخلاصا لعمله الأدبي وأكثر شفافية ووضوحا زاد ذلك من نسبة سريان شخصيته في النص والعمل الأدبي عموما , وزيادة الشفافية والمصداقية والوضوح من قبل الكاتب دل ذلك على زيادة نسبة الثقة والقوة لدى الكاتب ورسوخ قناعته وقيمه, مثال ذلك المقارنة بين العمارة القديمة والحديثة , فالبناية الحديثة قائمة على أعمدة صلبة وقوية تسمح بسعة ومساحة أكثر في النوافذ والفراغات الضوئية والهوائية دون أن يؤثر ذلك سلبا في البنيان, بينما العمارة التقليدية القديمة لا يتناسب فيها عمل ذلك.
لذلك تتسع مساحة حضور الكاتب في ميدان ومساحة النص , حسب حرية وخيار الكاتب وحسب لعبته المفضلة التي يتلاعب أو يتفاعل بها مع القارئ, فالنص للكاتب هو ساحته وملعبه في مسألة نسبة الشفافية وحضوره وسريان شخصيته وتجربته ومساره في نصه الأدبي, والقارئ
أيضا يحاول أن يستكشف أكثر للنص من خلال معرفة أكثر عن الكاتب, ومعرفة أكثر عن الكاتب من خلال نصه, فكما يقال تكلم حتى أعرفك , كذلك أكتب حتى أعرفك.
لذلك يقتضي التعرف على الكاتب وعلاقته بنصه من ناحية نوع الكاتب فيما إذا كان ذكر أو أنثى كذلك العمر , البلد, المهنة , الحالة الإجتماعية ..الخ . فمن خلال تلك المعلومات عن الكاتب يساعد ذلك على معرفة النص. ومن ثم كذلك من خلال النص نستطيع نستكشف الكاتب, وعلى سبيل المثال , ما تفيدنا به نظريات العلوم النفسية والسلوكية وإستكشاف أنماط الشخصيات ولها تطبيقات أيضا في تحليل النص منها على سبيل المثال تطبيق مربع معرفة الذات, الذي يفيد في أن لكل شخص أربعة جوانب بالنسبة لنفسه والآخرين , وهي كما يلي:
1 ما يعرفه عن نفسه ويعرفه الآخرون.
2 ما يعرفه عن نفسه ولا يعرفه الآخرون
3 ما لا يعرفه عن نفسه ويعرفه الآخرون.
4 ما لا يعرفه عن نفسه ولا يعرفه الآخرون.
ولذلك فإن النص من وسائل معرفة شخصية الكاتب , وكلما زادات الإحاطة والعمق والسعة وتحليل النص كلما كشف عن شخصية الكاتب, فيما أراد قوله وما لا يريد وما أخفاه وما أظهره وما جعله مستترا وما جعله ظاهرا وفيما إذا كان الكاتب فعلا يوصف تجربته ومساره أم يوصف عن خارج ذاته وتجربته , وما هي الشخصية الحقيقة للكاتب وما يحاول أن يقدم لنا من شخصية وما هي الفلسفة التي يتبنها أو يظهرها أو تظهر في مسار نصوصه سواء شعر بذلك الكاتب أم لم يشعر. ويزداد الفضول لدى القارئ فيما إذا كان القارئ رجلا والكاتب امرأة , لأن ذلك الفضول والشغف لدى الرجل هو في سياق رحلته التي لا تنتهي لإستكشافه المرأة , المرأة الجمال , المرأة الحب, المرأة العلاقة , المرأة التي يسقط عليها معاني ووجدانيات ومشاعر الحب , وغالبا ما يجعل القارئ الرجل الذكر جمالية المرأة الأنثى هي جزء من جمالية النص , أو يعكس ويسحب ويسقط جمالية المرأة على جمالية النص خاصة فيما إذا كان الرجل ذو نمط بصري في شخصيته , وهذا نلاحظه في ما ينشر في مواقع السوشل ميديا عندما تكتب الأنثى نصا أو منشورا خاصة و كان مصحوبا بصورة أو مقطع أكثر جمالية لصاحبة المنشور , فتتكون حالة جمالية متكونة من جمالية حضور الأنثى لدى الذكر وجمالية النص المنعكسة من جمالية الحضور والمشهد, وهذا هو ما يغري ويدفع بالذكر القارئ والمشاهد, خاصة ذو النمط البصري لعمل الإعجابات دون قدرا من التفكير والتقييم والمنطق لأن حضور القلب والشعور والوجدان أكثر من حضور المنطق والعقل وحضور حالة الذكورية غالبا أكثر حضوراً من الحالة الإنسانية أو العقلانية والموضوعية . وهذا هو تفسير للتسأول عن تلك الظاهرة التي نلاحظها في مواقع التواصل الإجتماعي وكثرة الإعجابات لمنشورات الأنثى أكثر بكثير لمنشورات الرجل وإن كانت نصوصه أكثر قوة وأهمية وإبداعاً. وهذا ما يدفع نسبة من الذكور في مواقع التواصل في تقليد نمط منشورات الإناث ككثرة نشر صوره الشخصية بمنسابة وغير مناسبة مصحوبة ببعض المظاهر الرومانسية كصورة الورود أو القلوب,وعبارات في ذلك السياق, فتظهر حالة من النرجسية والزهو والعجب غير مقبولة وغير مستساغة من الذكر الرجل , فماذا سيفيد المتابعين بنشر صورته في غير حاجة , على عكس ما تكون من المرأة لأنها بالنسبة للإنسان حالة جمالية قائمة بذاتها. وهذا ما يدفع نسبة أخرى من تلك الفئات أن تعمل صفحات أنثوية على السوشل ميديا وهم في الواقع ذكور.وهذه ظاهرة موجودة , وإن كانت لأهداف أخرى متنوعة لا مجال لذكرها في هذا السياق. وفي تحليل النص تتداخل عدة عوامل بحسب نوعية الجنس الأدبي الذي يكتب من خلاله الكاتب إلا أن هناك عوامل مشتركة بين الأجناس الأدبية المتنوعة.
1 إذن النص هو المعبر والكشف عن الكاتب ورسالته ورسوله إلى القارئ وهو مضمون ومحتوى الرسالة من المرسل ” الكاتب” إلى المستقبل ” القارئ”. وهو الوسيط الذي تسري فيه شخصية الكاتب ومشاعره وأفكاره ووجدانياته. بحسب مستوى ومهارة الكاتب وإبداعه في تكوين عمله الأدبي من الأحرف والكلمات والجمل ليكون نسيج نصي محبوك من المحسوسات والتجليات والتصورات والمخيلات والمشاعر والأفكار يتداخل فيها المعاني والمباني مستخدم مستوى موهبته ومهارته اللغوية في التراكيب والإشتقاقات والمترادفات والمحسنات وأساليب البلاغة.
ثانيا: تطبيق بعض من المنهجية النقدية التي ذكرناها في المقدمة على هذه المجموعة الشعرية
” أبجدية إمرأة في الحب , إلى رجل يقرأني الآن”
1 من حيث شكل الكتاب وجودته ومنهجية الترتيب والتنسيق.
الكتاب تم طباعته وإخراجه بجودة عالية سواء من ناحية الغلاف ونوعية الورق ومستوى رفيع في الإخراج والتنسيق وفنيات الطباعة .
جمالية غلافي الكتاب غلاف الواجهة التي عمت على مساحته اللوحة الفنية لامرأة يظهر منها وجهها متلفتة فاتحة يدها على لوح زجاجي متطلعة متلهفة لرؤية في الأفق ورآها خلفية لمشهد طبيعي لجبال ثم أفق سماوي يتوسطه بعض ثغرات باللون الأصفر وكأنها بقايا لأشعة شمس تخترق بأشعة صفراء عموم اللون الأزرق الخفيف الذي يعم اللوحة, اللوحة في مجملها وتفاصيلها لوحة فنية رائعة معبرة متطابقة إلى حد ما عن مضامين المجموعة الشعرية , ويكفي في دلالة اللوحة وجه جميل للمرأة الذي يعتبر محور اللوحة الفنية. يعلوه إلى اليمين أسم الكاتبة, يتوسطه العنوان( أبجدية امرأة في الحب , إلى رجل
يقرأني الآن) في أسفله إلى اليسار كلمة شعر , إذن الغلاف أحتوى لوحة فنية , تضمن اسم الشاعرة , عنوان المجموعة , مضمون ونوعية الجنس الأدبي , كلمة “شعر”.
في غلاف الخاتمة للكتاب , على خلفية اللون الأزرق الفاتح في أعلاه العنوان , متلازما مع اسم وصورة المؤلفة . وأبرز ما ميزه ثلاث صور من قامات الساحة الثقافية اليمنية كل صورة مقابل مقالة كل منهما عن المجموعة وهذا يضيف عدد من الدلالات وقيمة معنوية مضافة ومضاعفة لمضمون الكتاب.
في الصفحة الثالثة تضمن شكر وعرفان لشخصية إقتصادية وتجارية على مستوى البلد, بإعتباره راعي لإخراج الكتاب. ثم ثلاث صفحات في كل صفحة مستقلة إهداء الأولى لوالد الشاعرة الثانية والثالثة لابنيها الإثنين , عبد الله وإبراهيم.
ثم خمس صفحات ثنائية, للمقدمة الكاملة التي كتبها الأستاذ عبد الباري طاهر .
ثم صفحات الكتاب ذات الجودة التي وصل ترقيمها إلى (252صفحة) , تضمنت كل صفحة عنوان المجموعة باللون الأحمر. ثم فهرس المحتويات.
يلاحظ الحضور اللافت للمؤلفة من خلال صورتها في كل صفحة , في وسط كل صفحة عنوان كل قصيدة باللون الأحمر , ثم مقطع القصيدة باللون الأسود على خلفية وأرضية البياض للصفحة وبخط جميل, وتنسيق رائع متضمنة علامات الترقيم , كل ذلك بإتقان وجودة عالية , ومستوى إحترافي رفيع.
إذن من خلال ما سبق ذكره في (أ) نستطيع أن نستخرج بعض الدلالات والمعطيات النقدية حسب المنهجية التي ذكرناها في المقدمة. من هذه الدلالات والمعطيات ما يلي:-
1 إعتزار المؤلفة بمنتوجها الأدبي وإخلاصها , وإتقانها لإنتاج عمل رفيع المستوى شكلا ومضموناً. وله من الدلالات أن المؤلفة ذات رسالة وقضية وتجربة غنية , يمثل إعتزار لقيمة الأدب والفن والمعرفة.
2 إخراج العمل بهذا المستوى يعطي دلالات منها , قدرة ومهارة إدارية للمؤلفة , حسن علاقاتها بالبيئة المحيطة سواء السياسية والإقتصادية وكذلك بالساحة الثقافية , هذا الإستنتاج من دلالات الإهداء ومقدمات الشخصيات الثقافية التي كتبت عن المجموعة. ومن دلالات الإهداء لوالدها ومن ثم لولديها أيضا مؤشر أن المرأة إذا كانت بعلاقة أكثر تواصلا وإرتباطاً بوالدها تكون أكثر ثقة وقدرة على التعامل مع البيئة الخارجية .وأما بالنسبة للأبناء تعطي تكامل في شخصية المرأة لتوفر مساحة وعاطفة ودور الأمومة إلى جانب الأدوار الأخرى كبنت وأخت, وكذلك تجربة دور الزوجة , وهذا يعطي تجربة حياتية متكاملة . بالإضافة إلى دور المحبة أو المحبوبة أو الحبيبة الذي منه تبنى عليها التجربة الشعرية الرومانسية. والذي كانت محورية المجموعة الشعرية التي تميزت بالرومانسية العالية والتصورات الخيالية الجميلة .
3 حسن الترتيب والتنسيق وجماليات الإخراج للمجموعة, هو إنعكاس لشخصية المؤلفة,
يدل على شخصية تقدر قيمة الجمال , الترتيب النظام , التنسيق.
4 من خلال الصورة المتلازمة لوجه المؤلفة لكل صفحة رغم أنها منقبة! وهو حضور لافت يوسع مساحة حضور المؤلفة في مساحة التقاطع المشتركة بين القارئ والمؤلف كما ذكرنا في المقدمة المنهجية فبالإضافة إلى سريان شخصيتها في نصوص المجموعة ,يضيف حضورها من خلال الصورة نسبة أكثر في تواجدها وإتحادها مع النص لتكاد أن تكون جزء من القصيدة بل هي كذلك , إن كانت قصائد المجموعة محورها وقضيتها وتجربتها ومعبرة عن ذاتها.
5 ما يخص السيرة التعريفية في صفحة 292. وخاصة ما يوضح طبيعة الحالة الإجتماعية ,
وبحسب ما ذكرناه في المقدمة بخصوص مساحة الشفافية في العلاقة الثلاثية المتداخلة في النص بين الكاتب والقارئ, يدل أن زيادة مساحة الشفافية الشخصية للكاتب , تقوي مصداقيته ومصداقية النص, ويدل على نسبة عالية من الثقة والقوة ورسوخ القناعات التي يؤمن بها المؤلف ومدى نسبة مساحة الشفافية ضربنا لذلك مثلا مقارنة بين العمارة الحديثة والعمارة التقليدية فالعمارة الحديثة تسمح لنا بتوسعة مساحات النوافذ والفراغات الهوائية لأنها قائمة على أعمدة صلبة وقوية لا يؤثر سلبا على المبنى بعكس العمارة التقليدية .” أنظر المقدمة”.
فقد ورد في تعريف الحالة الإجتماعية ” مطلقة بين قوسين ( خلعاً)”, بطبيعة الحال وواقع ثقافة المجتمع نعرف ما تحمله كلمة “مطلقة ” من دلالات وأحكام سلبية مسبقة وإنطباعات تعاني منها المرأة كونها مطلقة وتحاول أن تخفي ذلك , نظرا لما يحاصر المرأة من ثقافة ” تنمر” مجتمعي نحوها. ولكن عندما توضحه المؤلفة بشفافية يدل على قوة وثقة , ويعد ذلك مناصرة للمرأة بشكل عام , وأن هذا الشفافية قائمة على قوة وثقة كمثال العمارة الحديثة الذي ذكرناه, لا يوثر عليها سعة مساحة الضوء, ثم تتبعها بكلمة (خلعاً) لتزيح أي مؤشرات أو إنطباعات أو دلالات سلبية , وإنما تدل على قوة في القرارات وسعة في ساحة الخيارات الحياتية وقوة في المسئولية القائمة على تمتعها بمساحة واسعة من الحرية. وهذا يزيد من مكانة وثقة الجمهور بالكاتبة . ويجعلها نموذج للمرأة القوية التي تتغلب على التنمر الذي تواجه المرأة الاعتيادية في المجتمعات ذات الوعي المنخفض.
*******
2 العنوان ( أبجدية إمراة في الحب ,إلى رجل يقرأني الآن).
العنوان غير إعتيادي فيه صياغة شاعرية مركبة تحمل سيميائية مضامين قصائد المجموعة حيث لا تنحصر دلالته في أنها لغة أو لهجة أو أسلوب أو شاعرية امرأة فقط , وإنما قراءة امرأة وهذا يضاعف حضور الكاتبة المرأة الأنثى وطغيانها على مساحة النص , بل أصبحت المرأة هي النص ” النص المرأة ” ” إلى رجل” إلى تخصيص وحصر , رجل تنكير أفاد العموم , يقرأني الآن , الفعل المضارع أفاد الاستمرار والآن أفاد أمتداد اللحظة الزمنية وتجددها.وبذلك تكون الدعوة موجهة ومستمرة للقارئ الرجل فلو كانت إلى إنسان يقرأني لكان فيها عمومية جنس الإنسان بثنائيته الذكر والأنثى ولكنها أنحصرت الدعوة إلى رجل بما تتضمنه من إيحاء بأنها مخصصة إليه ” إلى رجل يقرأني الآن” وأن” المرأة النص” موجهة إليه, بصراحة ووضوح ودعوة جريئة وتحدي, وكما ذكرنا في المقدمة إذا كان القارئ الرجل يزداد فضوله وشغفه فيما إذا كانت الكاتبة للنص امرأة, لأن ذلك في سياق رحلته التي لا تنتهي لإستكشاف المرأة , المرأة الجمال , المرأة الأنثى , المرأة الحب, المرأة العلاقة , المرأة التي يسقط ويحمل عليها معاني ومشاعر ووجدانيات الحب.” أنظر المقدمة” .
فها هو الآن أمام دعوة صريحة ليقف الرجل وحيداً في مواجهة هذا التحدي , وكونه تحديا لأن الدعوة الصريحة غالباً ما تكون في مسار الاستدراج والوقوع في الفخ , والرجل غالباً ما يكون جباناً أمام نسبة كبيرة من التحدي والشفافية والمواجهة الصريحة مع الأنثى.
**********
ج- تطبيق بعض ما تقدم في المقدمة المنهجية على نصوص المجموعة الشعرية بشكل عام.
في صفحة 17, تظهر القصيدة بعنوان الفاتحة , وهي فعلا كذلك , كأنها خريطة الأفكار الرئيسية التي ستتوالى وتظهر في مسار قصائد المجموعة, وتظهر فلسفة الكاتبة في جعل الحب محور للوجود ومظاهره هي أنعاكس للمحبوب. تنعكس فيه مظاهر الحياة ومظاهر جماليتها كإشراقة الصباح والبهجة وأوصاف السعادة ومكملاتها, وأن مباهج الحياة إلا بوجود الحب ممثلا في الحبيب وتنعكس مظاهرها على الحبيب ,
مثال ص41, 106, 107, 110, 116,حتى المناسبات والأعياد ص180وحتى إحتياجات الحياة كالهواء والمأكل والمشرب ص57.في ص116 بعنوان تفاحة. أنعاكس أو حضور الحبيب على مظاهر الأسماء والأشكال, في ص111 صورة جمالية لا تحتاج إلى شرح.أيضا من مسار أفكار القصائد أن الدنيا غير موجودة في غياب الحب أو الحبيب حتى الزمن يكون غير محسوب دون الحبيب ( وهذا أيضا ملاحظ في مسار الشعر والأغنية العربية بشكل عام ) يصبح المحب والحبيب كل منهما محور وجودي للأخر فلا يحس بوجوده الذاتي إلا بوجود الأخر.مثال ص30, 31 , بين “هو وهي” وإن كانت هي في الأخير حب إرتدادي محوري ذاتي يرتد للذات , لكن لا يستطيع الإرتداد أو التجلي إلا بعامل خارجي , لتعود حقيقة الحب أنه حب ذاتي لكن لا يتجلى إلا بعامل خارجي , وهذه الطبيعة التفاعلية أو الحب التفاعلي المتكون بين الذكر والأنثى , فالرجل حبه للخارج يعبر عنه للخارج يعبر عنه بلمسه للأنثى , بينما الأنثى تعبير ارتدادي للذات تلمس خصال شعرها . الرجل يرسل مشاعر على شكل مادي , المرأة تستقبل المشاعر تحتويها تضخمها حتى تجليها سلوك وتصرفات معادةُ للرجل وهكذا تكون دورة التكامل , والحب التفاعلي .
وهذا ما يميز قصائد المجموعة أنه حب تفاعلي ليس من طرف واحد ليس فيه معاناة , لأن الحب من طرف واحد عبارة عن معاناة وإرتباط مرضي أكثر منه علاقة حب.
( كالهجر والشوق وطلبات الوصل ومشاعر الحرمان,,الخ وحالات الحب المتنوعة الرائجة في مسار الشعر والأغاني العربية) . أما في هذه الحالة والنموذج هو وصف يعبر عن حب تفاعلي وأن كانت الحبيبة الأنثى تحاول أن تكون محورية وواحدية لحب الحبيب الذكر ,فكما هي واحدية في الحب ص28,24. “102” تريد أن تكون هي واحدية ومحورية وجودية أيضا بالنسبة للحبيب ص28’24 , بل وعندها ثقة حيث لم يعد لديها غيرة أو أستحواذ أو أنانية لأنها واثقة أنها محور للحب بالنسبة له 70, مثال وقالوا أن يحب النساء فابتسمت للعواذل وقالت ومن أجله عشقت النساء ص40, 44 وهذه ثقة أكثر منها تقمص لما يحب يريد الحبيب أو يرغب فيه, وهذا في سياق كثير من قصائد المجموعة أنها حالة حب وصلت إلى التماهي وأصبح حلول بين الحبيب الحبيبة حتى أصبحا في حالة توحد وحلول .
استخدام الحوار و الضمائر كمثال هو , هي ص126, أنا ,هو, قال , قالت, قال لي, قال لها, قالت له ص170,198 . أحيانا تخرج عن دائرة محورية ( أنا وهو) ثم تأتي ببعض المفاهيم أو الوصف غالبا خطاب نصح موجه للخارج مثال ص 193, 204 على شكل وصف أو حكمة أو خلاصة معرفية أو تجاربية عن الحب مثال ص34, 35. نقول أنها حكم وتجارب في مسار الحب.
مقاطع مميزة ص184, 185, هل ” ال هي” توصف نفسها؟أم التعابير والمشاعر من هو إلى هي, فقد ذكر في رسالته من هو إلى هي وذكر أسمها ص212 “أح لامو” وكذلك س199, 201, قصائد مميزة أو مسارها مختلف عن بقية مسار قصائد المجموعة.
إذن قصائد المجموعة تظهر لنا حالة حب و حب تفاعلي وليس شعوريا فرديا وإلا لكان مسار معاناة بل حالة حب رائعة على قدر من المستوى الراقي بين هو وهي قد يكون في مسار وإحتمال من احتمالات الخيال التي توصفه شاعرية الكلمات والمعاني. هذه من الأفكار الرئيسية التي سنجدها في معظم قصائد المجموعة بصورة فنية وإبداعية متنوعة لا يغني توصيفها أو إسفارها إلا بقراءتها , وكل قصيدة قائمة بذاتها ولوحة مكتملة من الجمال والمعنى والمبنى والتجربة والمدلول استطاعت الشاعرة دمج المحسوسات والمظاهر والتصورات والمشاعر والأفكار من حلال الأبجدية والكلمات لتقديم صور شعرية رائعة إبداعية .