بقلم: كمال محمود علي اليماني
بين يديّ اليوم كتاب للقاص الشاب أحمد صدقي محمود اليماني بعنوان ( في فضاءات الخيال) ، وهو من إصدارات اتحاد أدباء وكتاب الجنوب للعام الحالي 2024م، ويتكون من 133 صفحة ذات الحجم المتوسط ، وهذا الكتاب هو الكتاب الثاني للقاص أحمد صدقي إذ نُشر له قبل سنوات كتاب بعنوان ( انفصام الحب) ، لم يحمل الكتاب الذي بين يديّ اليوم أي تجنيس كواحدة من عتبات الكتاب ، وأحسب أن السبب راجع إلى أنه قد حمل بين دفتيه أنواعا أدبية مختلفة ، حيث نجد تسع قصص ، وثلاثة مقالات أدبية ، ونصا شعريا نثريا بعنوان ( لا أبرح حتى أبلغ) في تناص واضح مع الآية القرآنية الكريمة.
ولأن الخيال يجنح للرومانسية في الغالب؛ فقد ظهر الغلاف بألوان زاهية جمعت بين السماء الزرقاء، والفضاء البنفسجي ، وشاب وشابة يمخران حقلا من الأشجار القصيرة الخضراء .
ولقد وردت كلمة الخيال والحلم كمفردات في الكتاب ستاً وعشرين مرة ، ووردت كدلالة في القصص بشكل لافت ، ولهذا فإن العنوان قد تحقق بشكل ظاهر في ثنايا القصص والنصوص والخواطر.
ولقد جاءت القصص بصورة متساوية إلى حد بعيد من حيث ضمير السارد ، فخمس منها بضمير الغائب، وأربعٌ بضمير المتكلم .
ولقد تفاوتت القصص في طولها ، فأول قصة بعنوان ( كلاكيت أول مرة ) استغرقت صفحتين ونصف ، وقصة ( سقط سهواً استغرقت ست صفحات ، في حين أن قصة ( لعنة تسخيوس) قد استغرقت أربع عشرة صفحة ، والقصة الأخير ( وئام ) استغرقت اثنين وخمسين صفحة ، وهي القصة الأطول.
تناولت القصص ثيمات متعددة ، فلقد تحدثت عن قهر الطفولة ، وقهر السلطة ، وزواج القاصرات المتأتي من الفقر ، كما كانت الحرب الحوثية حاضرة ومدانة بشدة في قصة ( أنا مريم وهذا أخي يوسف) ، وهو الطفل الذي سلمه أبوه للحوثيين- لقاء بعض المال- للقتال معهم ، فعاد إليه هاربا يسير على عكاز بعد أن بترت ساقه، فيلحق به الحوثيون ويجرونه إلى خارج الدار جراً ، ويعدمونه أمام الدار. وكان الطمع والقتل من أجل السلطة والملك حاضراً أيضا من خلال قصة ( لعنة تيخسوس ) ، وهي قصة فيها تخييل للتاريخ ؛ إذ دارت أحداثها عام 301م ، غير أنها تشير بوضوح إلى واقع نحياه في يومنا هذا.
كانت الرومانسية طاغية في القصة الأخيرة ( وئام) وهي القصة التي وقفت بين الحقيقة والخيال.
تمكن القاص أحمد صدقي من الاستقادة من عناصر القصة القصيرة بصوة ممتازة ؛ فلقد جمعت قصصه بين السرد والوصف والحوار ، والزمان والمكان والشخصيات ، وكان موفقاً في نسج حبكات قصصه . ولقد استخدم في كثير من قصص المجموعة لغة أدبية راقية ، لاسيما عند الوصف ، حيث نجد له صوراً جميلة ، نقتنص منها قوله:
((جميل هو السقوط
نعم، ولكن سقوط قطرات الغيث
أنت لست قطرة غيث ياعزيزي ليكون سقوطك جميلا
يجب أن تعتلي عاليا
تعتلي ياعزيزي، لا تتعالى . ))
وقوله:
((في ذات مساء أجلس قبالة الشاطىء . أرى تلاطم الأمواج وتلاقي الغمام . أرى مصرع الشمس وجنازة تشيعها الأضواء .. التفت إلى جانبي فإذا بي أرى وئام .))
أو قوله:
((هي وئام السقا ، جميلة إلى حد الفتنة المطلقة ، رقيقة كجناح فراشة ، عميقة كلوحة لبيكاسو ألوانها شديدة الحدة ، عيناها ساحرتان كسحر سحرة رمسيس ، طفلة إذا ما تبعثرت، سيدة إذا ما تلملمت .. هي السلام بعد حرب طويلة. هي هدوء الفجر وأمل الصباح. ))
عمد القاص أحمد صدقي اليماني إلى تجزئة قصتيه الطويلتين إلى أجزاء معنونة ، فكأنما أراد أن ينقل القارىء خلال القصة من جزء لآخر مشوقا إياه إلى مايمكن أن يحمله الجزء اللاحق ، ولقد عمد أيضا إلى إظهار ذاته كمؤلف لا كسارد في بعض الأحيان ، وذلك من خلال محادثته للقارىء بين الحين والآخر خارج حدود المتن الحكائي، فهو يقول في ص3 مثلا:
((جزء من النص مفقود
نعتذر عن المقاطعة –سيدي-
ولكن هناك ظرف طارىء
يتوجب علينا نقل النص إلى ص “56”))
ثم يقوم بنقل نهاية قصته من ص30 إلى ص 56 لابتداع طريقة جديدة لافتة يشد بها ذهن القارىء وانتباهه.
وقبل انطلاقته إلى عرض مقالاته الأدبية التي يخاطب من خلالها مشاعر القارىء وأحاسيسه ، ويخاطب عقله أيضا لافتا إياه إلى أمور تتعلق بالسعادة والنجاح في الحياة ، قبل انطلاقته تلك تجده يقول له:
((مساؤك جميل
ولقاء في صحبة سعيدة
اليوم رحلة نفسية .. كن مستعدا
عزيزي القارىء
صباح الغد نريده مختلفا
جهّز أمتعتك ، هيا بنا . ))
قضيت وقتا ممتعا وأن أتنقل في هذه المجموعة القصصية الشبيهة بدوحة تنوعت أشجارها وثمارها ، وأحسب أن القاص أحمد صدقي اليماني يمتلك موهبة طيبة جدا في مجال الفن القصصي ، وأنه استطاع من خلال هذا المجموعة أن يثبت للقراء موهبته هذه ، التي لا اشك أنها ستزداد لمعانا مع كر الأيام والشهور والأعوام، ومع تراكم تجربة الكتابة القصصية لديه.