الهُويّة المُفتقدة والانتماءات المتعددة في السرد اللبناني: دراسة في كتاب د. هدى المعدراني

بقلم : ناصر رمضان عبد الحميد

مقدمة

تُعدّ قضية الهوية والانتماء من أكثر الإشكاليات حضورًا في الأدب، خصوصًا في المجتمعات المتعددة الطوائف والانتماءات، كما هو الحال في لبنان. في هذا السياق، يأتي كتاب “الهُويّة المفقودة والانتماءات المتعددة: دراسة ثقافية في الخطاب السردي” للدكتورة هدى المعدراني ليسلط الضوء على هذه الإشكالية من خلال دراسة أربع روايات لبنانية هي:

شريد المنازل – جبور الدويهي (دار الساقي، بيروت)

في بلاد الدخان – هدى عيد (دار الفارابي، بيروت)

قيد الدرس – لنا عبد الرحمن (دار الآداب، بيروت)

فاقد الهوية – حنان فرحات (الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت)

الكتاب، الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت في 241 صفحة من القطع الكبير، يتناول الخطاب السردي لهذه الروايات من زاوية ثقافية، متتبعًا أنماط الهوية والانتماء في النصوص، ومسائل التعايش والتعددية، وتأثير الطائفية على تشكيل الهوية اللبنانية.

إطار الدراسة وتحليل المقدمة

يبدأ الكتاب بتقديم للدكتور عبد القادر فيدوح، حيث يسلط الضوء على معرفته بالدكتورة هدى المعدراني، ثم يتناول منهجها في تحليل الروايات الأربعة، مُبرزًا أهم القضايا التي ناقشتها.

في مقدمتها، تطرح الدكتورة هدى المعدراني مقاربة تُركز على فكرة التعايش السلمي كسبيل للخروج من دوامة الصراع الطائفي والانتماء المتنازع عليه، ساعية إلى خلق جو من التفاهم بين الإثنيات الثقافية، بعيدًا عن الانقسامات والتصنيفات التي تعمّق الشرخ المجتمعي. كما تنتقد الطائفية في لبنان، متناولة انحياز الأفراد إلى طوائفهم، سواء في سلوكهم أو أفكارهم، مما يعيق تحقيق هوية وطنية جامعة.

تحليل الهوية والانتماء في الروايات الأربعة

تُظهر الروايات المدروسة تنوعًا في مقارباتها للهوية اللبنانية، إلا أنها تتقاطع في تقديم صورة عن مجتمع مأزوم، تتجاذبه الصراعات الطائفية والسياسية. يمكن تلخيص أبرز معالم الهوية كما تجلت في الروايات على النحو التالي:

1. رواية “شريد المنازل” – جبور الدويهي

تتناول الرواية مأساة الانتماء المزدوج في ظل الحرب الأهلية اللبنانية، حيث يعيش البطل انقسامًا داخليًا بين بيئتين دينيتين مختلفتين.

تبرز الرواية فكرة الهوية المتذبذبة بين الطوائف، وانعكاس ذلك على مصير الأفراد في مجتمع منقسم.

 

2. رواية “في بلاد الدخان” – هدى عيد

تطرح الرواية قضية الهوية عبر الهجرة والاغتراب، حيث يعاني الأبطال من ازدواجية الانتماء بين الوطن والأرض الجديدة، ما يؤدي الى انشطار الشخصية واستلابها من قبل الآخر .

تعكس الرواية فقدان الهوية عند اللبنانيين الذين اضطروا إلى مغادرة بلدهم بحثًا عن الاستقرار.

 

3. رواية “قيد الدرس” – لنا عبد الرحمن

تقدم الرواية مقاربة نقدية للهوية المتمثلة بورقة تعريف عن حاملها تسمى هوية قيد الدرس لتحمل في اللامقول ان الانسان الذي يحملها له وجود بالقوة لا بالفعل، ومازالت الدولة تدرس إمكانية الاعتراف بوجوده، ما يجعل صاحب هذه الهوية يعاني الاستلاب والاستغلال.

 

4. رواية “فاقد الهوية” – حنان فرحات

كما يوحي العنوان، تتناول الرواية فقدان الشخصية الجنسية اللبنانية لأنه أضاع اوراقه الثبوتية، ويورث هذا الفقد لخلفه، فتعاني الشخصيات الاغتراب عندمايتنكّر المجتمع للمرجعية التاريخية والجغرافية واللغوية

 

إشكالية الهوية اللبنانية في الخطاب السردي

يتضح من تحليل الدكتورة هدى المعدراني أن الروايات الأربع تعكس إشكالية الهوية اللبنانية من زوايا مختلفة، لكنها تتفق جميعها على أن الطائفية والانتماءات المتعددة تُعوّق بناء هوية وطنية جامعة.

يتجلى ذلك في:

تأثير الحروب والصراعات السياسية على تشكيل الهوية.

معاناة الأفراد من انقسامات المجتمع، ما يؤدي إلى هوية غير مستقرة.

الحاجة إلى التعايش السلمي وقبول الآخر كحل للخروج من الأزمة الوجودية التي يعيشها لبنان.

أهمية الكتاب في السياق اللبناني الراهن
يأتي كتاب “الهُوية المفقودة والانتماءات المتعددة” في لحظة حرجة تمر بها لبنان، حيث يتفاقم الصراع حول الهوية الوطنية في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا، يُعد الكتاب مساهمة مهمة في تفكيك الخطاب السردي اللبناني، وربطه بالواقع، بهدف تقديم رؤية تحليلية قد تساعد في فهم جذور الأزمة الحالية.

في النهاية :

تمثل دراسة الدكتورة هدى المعدراني مقاربة ثقافية نقدية عميقة لقضية الهوية في السرد اللبناني، حيث تطرح إشكالية الهوية والانتماء من خلال تحليل روائي يعكس الواقع اللبناني المأزوم. ويبدو جليًا أن الروايات الأربع لا تقدم حلولًا مباشرة بقدر ما تعكس تعقيدات الهوية في مجتمع منقسم، مما يجعل هذه الدراسة إضافة نوعية إلى النقد الأدبي والدراسات الثقافية في العالم العربي.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!