سليم النجار
في روايته الأولى ” ظلال على شرفة المجهول” ، ” دار الأرتقاء – ٢٠٢٥” قدم ابراهيم ناصر تجربة روائية سردية تشي بأننا أمام فرصة لمشروع سردي جيد يتسم بالطابع الإنساني ويملك كل مقومات الإبداع الأساسية تشير هذه التجربة الروائية الأولى أننا أمام صوت سردي له خصوصية من حيث المواقف الإنسانية وتشير إلى كيف يكون مجالا لتجسير الفجوات بين البشر على مستوى الأعراق والأصول والدول والسياسيات والحضارات والثقافات المتنوعة٠
والسؤال الذي يفرض علينا في هذا المجال ، هو كالتالي: كيف من جهة نظر فنية، سيكون هذا الأدب الملتزم عند ابراهيم ناصر ذي الضمير النقي الذي اختار الجماعة مقابل إنكار فرديته؟ سيكون سطحيّاً ؟ سيكون تعاطفيّاً، سيكون ضميريّاً، ما دام ينطلق من شعور تعاطفي، ومن رؤية خارجية ، تنظر إلى الأشياء بين الرحمة التي تنطلق من فوق لتكون مع ما في تحت ، في غياب المعايشة الأداب الشعبية التي لا يُدخلها الكاتب في عداد الثقافة العربية المعاصرة بالمقارنة مع أشكال أخرى، كما سرد الكاتب،( كبرت عائلة الفرحان، إلى اربع( حمايل) ، وأصبح للعائلة ثلاثة بيوت أخرى متشابهة إلى جانب البيت الكبير ، لكل ( حمولة ) بيتها الخاص بها ص١٨)٠
وفي المنهج التفسيري، نجد ظروفاً موضوعية تدعو إليه؟ الكتابة في رواية ابراهيم ناصر ، وفي هذه الحالة ، فإنَّ التعامل مع الإبداعات الفنية من جهة تفسيرية يفرضه الواقع السوسو‐ ثقافي العربي كا ستجابة لعدة معطيات واقعية ينكرها الشكلاننيون الذين يرون في الأدب من جهة علمية ( سيكولوجية أو سوسيولوجيا) ، أو اعتماداً على ثقافة الفكر ما يجعل منه لا يخرج عن نطاق ” حذلقية ترقعيية ” ، كما يقول شتراوس٠ كما أنَّ النظرة للرواية على توجيه التحديد، هي نظرة تأويلية كما يقول تودورف( لا تصوِّب رؤيتها لمعرفة تلك القوانين، نظراً لانشغالها بتعيين المعنى)، كما يقول ابراهيم نفسه،( راح صابر يستعيد في ذاكرته إحساسه في تلك اللحظة ، إنه يتذكر جيدًا بل ينتابه نفس الإحساس ، إحساس الصياد الهائم في البرية يفتش عن فريسة ص٣٦)٠
وبما أن كاتبنا أطال من الإفصاح عن هوية الحكاية مكتفي بضبابيات حكايته، التي أخفى شخصياته الرمادية وراء سحبها الداكنة، بمعنى سرد حياتهم العادية والروتتية، المستبرة من واقع الحياة المعاشة فبدأ رويدا رويدا الكشف عن هوية الحكاية ، ( على الطريق الضيق الصاعد من القرية باتجاه رام الله، فيبدو والطريق وكأنه حبل طويل يربط القرية مع المدينة ، ص٤٥)٠
ومن هذا المنطلق يصبح الشكل وعاء حاملا للأفكار التي حددها الواقع، وبذلك يزول الجدل بين الشكل والمضمون فالمضمون هو محدد الشكل ولا وجود للجدل في هذه العلاقة ولا للاستقلال الشكلي النسبي كما يقولون بذلك النقاد الجدليون انفسهم، وبما أن الحضور الأساسي في رواية” ظلال على شرفة المجهول” ، فإن التعامل مع الشكل تم من خلال الإشارات البسيطة والإختزالية،( ‐ هل أشبعت فضولك يا مريم بمعرفة ماضي صابر وأمه؟
‐ وهل يوَّلد الفضول إلا مزيدًا من الفضول؟ ص٢١٧)٠
وكون رواية ابراهيم ناصر ك” نص” تراكمات هائلة من الشخصيات على المستوى الكمي بشكل متواتر وسريع٠
وتكمن أهمية المتن الروائي في دراسة النص، وفي طريقة تحليله، ونص ناصر أنحاز بشكل لافت للرواية التسجيلية، ولم يستطع سرد المتاروائي في عرض حكايته، ففي الرواية ليس المطلوب مطابقة الواقع مع النص مطابقة كاملة، الأمر الذي يجعل النص الروائي يحمل في طياته أكثر من رواية، وهذا يعني أن هناك أكثر من خطاب روائي، يجعل المتلقي يبحث عن الرواية الأصيلة٠ وهذا التداخل بين الرواية ، يجعلها غير منسجمة مع الفكرة التي أراد الكاتب توصليها للمتلقي٠
أما عن الأسلوبية والحوار اللتان تم توظيفهما في الرواية هو البحث عن المشهدية، ويسجل للكاتب انه في هذا الجانب لم يقتصر على الوصف أو التفسير؟، ( ‐ عمتي راحت عند مريم وقالت ما بدها تطول، هلكيت بتيجي ٠
‐ برضو ما قلتيلي شو مالك ص٢٣٧)٠
لكن ما يمكن تسجيله بهذا الخصوص ، هو هل الرواية اقتصرت على الوصف، أم التفسير؟ ما كان لنا نثير هذا السؤال، يفرض نفسه علينا من خلال أجواء الرواية٠ وفي هذا الأطار يمكن طرح الملاحظات التالية:
إنّ المسألة لا تتصل بالوصف أو التفسير في حدّذاته، ولكن كيف نمارس الوصف حين نمارسه؟ وكيف نصل إلى التفسير حين نمارسه؟ ومن أي منطلق نمارس الوصف والتفسير ؟ وونقصد المنطلق النظري من جهة، ومنطلق وعينا عند كتابة الرواية من جهة ثانية٠
إنّ الملاحظة التي نريد الخلوص إليها ، هل استطاع الكاتب ابراهيم ناصر الكشف عن رواية المنفى؟ أو حاول تأسيس خطاب روائي نقدي معرفي إنساني؟ الجواب متروك للمتلقي الذي عليه الإجابة عن هذا التساؤل٠