عمان _ آفاق حرة
اختتم معرض عمّان الدولي للكتاب 2025، الذي ينظمه اتحاد الناشرين الأردنيين، برنامجه الثقافي بندوة فكرية حملت عنوان “حين يحكي الأدب قضايا الناس”، استحضرت أسئلة العلاقة بين الأدب والمجتمع، وما إذا كان الأدب مجرد مرآة تعكس الواقع أم قوة فاعلة تسهم في تغييره، إضافة إلى تحولات ثيماته مع تبدّل هموم الناس، وحدود مسؤولية الكاتب في التحدث باسمهم.
الندوة التي أدارها الكاتب أسيد الحوتري شارك فيها كل من الروائية المصرية رانيا كمال، والروائية الأردنية زينب السعود، والروائي الأردني محمد حسن العمري، حيث قدّم كل منهم رؤيته لتجربة الأدب بوصفه مرآة للهم الإنساني، ومجالاً لطرح الأسئلة ومواجهة التابوهات.
رأت الروائية رانيا كمال أن الرواية ليست مجرد خيال، بل “حياة” تفتح أبواب الأمل والثقة، معتبرة أن دور الكاتب يتمثل في رصد الواقع وزرع الأمل وفتح نوافذ جديدة أمام القارئ، لأن الأدب – على حد تعبيرها – “وسيلة نحل بها مشكلات المجتمع”. واستحضرت في هذا السياق روايتها “أرض لا تحب النساء” التي عالجت مأساة فتاة من صعيد مصر اصطدمت بعادات قبلية حالت دون زواجها، قبل أن تتمرّد على تلك التقاليد لتصنع مصيرها بنفسها. كما أشارت إلى رواية “أشباه رجال” التي خاطبت من خلالها المراهقين في الجامعات، محذّرة من ظاهرة “زواج السر” وغياب الرقابة الأسرية.
أما الروائي محمد حسن العمري فقد رفض حصر الأدب في تصوير “الطبقة المسحوقة”، مؤكداً أن لكل الطبقات همومها، مستشهداً بأعمال تشيخوف التي تناولت أزمات النبلاء، وأعمال سعود السنعوسي التي سلطت الضوء على مأساة “البدون”. وانتقد العمري ما وصفه بـ”القضايا المقحمة” في الأدب العربي المعاصر، مثل المثلية الجنسية أو توظيف العنصر اليهودي في الرواية العربية، معتبراً أنها “هموم مصطنعة غذّاها أدب الجوائز”. وتوقف عند روايته الأخيرة “أولاد عشائر” التي تحاكي إشكاليات الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية في المجتمعات العربية، عبر قصة صراع على الوظائف يُدار وفق الولاءات القبلية، حيث تتحول العشيرة إلى رمز لـ”اللوبيات” المسيطرة.
من جانبها، شددت الروائية زينب السعود على أن الأدب ليس ترفاً، بل فضاء معرفياً يثير الأسئلة ويواجه استفزازات الواقع. وأكدت على ضرورة التزام الكاتب بالنزاهة الأدبية والحفاظ على الذائقة الفنية بعيداً عن المباشرة الخبرية، مع حرصه على المواءمة والعدالة في طرح الأفكار. واستعرضت السعود عدداً من أعمالها، منها رواية “الحرب التي أحرقت تولستوي” التي تناولت تجارب المراسلين الميدانيين في الحرب الروسية الأوكرانية وما واجهه الشباب العرب هناك من عنصرية، مؤكدة انحيازها الدائم لـ”السلام وحقوق العرب”. كما تناولت في “العبور على طائرة من ورق” قضايا الهوية والتحولات الاجتماعية، من قصة “أمجاد” التي اكتشفت ذكورتها بعد أن عاشت طفولتها كأنثى، إلى قضايا التضحية العائلية وهجر الأمهات. وفي روايتها “نطفة في قلب غسان كنفاني” استحضرت جرح فلسطين وغزة من خلال شخصيات تبحث عن هويتها بين التباس الأصل والانتماء، كفتاة وُلدت من “نطفة مهرّبة” من السجون الإسرائيلية.
وكان مدير الندوة أسيد الحوتري قد افتتح الحوار بسؤال إشكالي: “هل يوجد أدب لا يحكي قضايا الناس؟”، مستعرضاً الانقسام النقدي بين تيار يرى الأدب غاية جمالية قائمة بذاتها (الأدب للأدب)، وآخر يعتبره أداة ملتزمة لتحريك المجتمع ونقده.
واختُتمت الندوة بتكريم المشاركين بدرع معرض عمّان الدولي للكتاب، ليكون هذا الحوار الفكري ختاماً لفعاليات المعرض، مؤشراً إلى أن الأدب، مهما تنوّعت أشكاله واتجاهاته، يظل ساحة حية تحكي قضايا الناس وتعيد صياغتها في نصوص تفتح مسارات للتفكير والحلم والتغيير.