البحرُ الميّت
جميلةٌ وأنيقةٌ ورشيقةٌ.. والآن هي حاملٌ يستحضرُها إبّان الكرّ والفرّ والمباغتةِ. ضَمّها قليلًا وضمّته كثيرًا في رأسِه. ها هي الآن لا تلك.. لا نسبة بين الأولِ والخامسِ.
الدهورُ التسعةُ غيرُ قابلةٍ للحظر. الملامحُ مرتجلةٌ والمعالمُ محبوسةٌ في القفصِ الصدريّ.
النومُ طاغيةٌ، لا يأبَهُ بالجذوةِ الشتويةِ. النارُ مشويّةٌ بالقيء المصاحبِ. الوجهُ والعيونُ مثلّثٌ افتقدَ التمويهَ البريء. في السابعِ، أدارَ أنفَه للحائطِ وضمّها قليلا وضمّته كثيرًا في رأسِها. الحائطُ يطبقُ بأنفاسِه على الحائطِ الذي يليه، والسقفُ ينزلُ للأرضِ، والحاملُ تستغيثُ بالبحرِ الميتِ.
الطبيبُ يستشهدُ بالمِشرطِ المناوبِ، والصراخُ المتفَرِدُ يستجيبُ للحملِ الصادقِ؛ فيختزلُ العازبُ كابوسَه شهرين، ويتكئ على دموعِه الجديدةِ، ويستيقظُ والدًا، لينامَ وليدًا في رأسها.
وقُيّدت ضدّ معلوم
احتلّ مكانَه في آخرِ طائرةٍ متجهةٍ إلى الشمسِ؛ لعَلّه يتوهّجُ وتنصهرُ بناتُ أوكارِه، ويعودُ فورًا مُحمّلًا بمشاتلِ الحدودِ المكدّسةِ هناك.
وبعد أنْ أقلعتْ عيونُه.. نحو بعضِ الذنوبِ الغفيرةِ..؛ تمَكّنَ الأرقُ من رحلتِه؛ وأطلّ بقلوبِه البيضاءِ والسوداءِ والرصاصّيةِ من الشرفةِ المستوحاةِ داخلَه على السِفورِ، وصرّحَ لقرينِه السابقِ بما يكنّه للوطنِ من صَلف.
وبسذاجةٍ.. انطرحتْ الأسئلةُ أرضًا، منتظرةً بعض وجهاتِ النظرِ المسلوقةِ عن الملامحِ القَوْميّةِ للمياهِ ومجاريها، وتحولاتِ ظهورِنا الخضراء بين الحينِ والآخرِ لسياطٍ عالميةٍ تمتصُّ هواءَ الدمِ المحظورِ..، وعن ماهيةِ المسؤولِ عن الغابةِ، بعدَ وفاةِ آخرِ سبعٍ صالحٍ تقريبًا.
وبعد هروبِ الطائرةِ وضواحيها لمكانِ الحادثِ، تمكّنَ القرينُ من الهبوطِ طبعًا على جثّةِ المسافرِ المجهولِ نسبيًّا، وقُيّدت الشمسُ ضدّ معلوم.
البَوْصَلَة
سَاوىَ الصفوفَ، وسَدّ الفُرجَ، ولم يُصَلِّ صلاةَ مودّعٍ، وعاشَ بكرةً وأصِيلا.
الصفوفُ لفظَتْه مِنَ الأمامِ للخلفِ تدريجيًّا، وهو غيرُ مؤمنٍ يا مؤمنين.
الغالبيةُ تؤمُّه الآنَ كإمامٍ له ظُهورٌ عِدّةٌ، وثلاثةُ وجوهٍ و(أَسْتِك) لعُملةٍ سهلةٍ واحدةٍ. فمؤثراتُ سوطِه الحامضيّ؛ التي ألهبتْ كثيرًا مِنَ الشعائرِ في عيونِ(السّمْيعة) المكفوفين رأسًا؛ قدْ باءتْ بالفشلِ القلويّ. ممّا اضطّرَه لتلوينِ عصابةٍ بيضاءَ مع نافخِ الكيرِ للسطوِّ على مسجدٍ فوقَ العادةِ؛ لوضعِ يدِه ومعظمِ أقدامِه على جدارٍ سِريّ؛ يمنعُ المصلينَ من جَرّه للخلفِ.
المكانُ فعلًا راسخٌ بقرارٍ، ومن الصعبِ فعلُ أيِّ ردّ ِفعلٍ غيرِ مناسبٍ تدريجيًا كما أشرنا. الصفُّ الأولُ مشبعٌ من أطرافه بدوافعَ ومدافعَ ومسؤولين.
عبادَ الله:
البوصلةُ لا تشيرُ الآنَ إلي دمِ إمامٍ سائحٍ يُفترضُ أنْ يُصلّيَ قريبًا صلاةَ مودع.
المَواكِب
برفقٍ مزعومٍ.. لوَّح للقانطينَ على رصيفِ النَّردِ؛ فلوَّحَ البعضُ خُفيَةً، ووقفَ البعضُ على رؤوسِهم، واستمرّ الجميعُ في دورانِهم حولَ الأرضِ.
ولمّا كان ضيفُه الكبيرُ قصيرًا.. تعمّدَ أنْ يحجبَه بكفِّه عنْ كلِّ ردودِ الفعلِ المصطفاةِ، وعن قباءِ البحرِ الساخرِ؛ ليتسنّى له الوقوفُ بذاتيةٍ على أحدثِ صيحاتِ الشمسِ الغائبةِ.
وبذكاءٍ مزعومٍ أيضًا، التقطَ لمحةً من ضرباتِ المواطنِ الصّالحِ، وردّها إليه كسيرةً.. فهدّده بسيجارةٍ كانتْ قدْ توقفتْ عن الغمزِ واللمزِ.
وقبلَ أنْ يغادرَ رفقَه ويعتلي سوطَه النابهَ.. ألحّ على ضيفِه بقمعِ كلِّ الإجراءاتِ اللازمةِ للصفحِ عن النادلِ الذي ظلّ قاعدًا ولم يأبَهْ بالتصفيقِ المشابهِ. وعلى إثرِه.. تجرّأ المواطنُ الصالحُ، ودخلَ ليبولَ فجأةً برفقٍ.
وهكذا.. خرجَ المواطنُ المزعومُ أبيًّا كالضيف.
الأهْل
كان طيّبًا كالقلبِ، ولمّا صَلبوه التقطَ أنفاسَه والذخيرةَ، وخرجَ بنفسِه من هناك، ليدخلَ عليهم ممتطيًا نصفَ حذاءِ جارِه.خبزُه غَيرُ طبيعيٍّ جدًّا ورقيقٌ، لكنّه مضطرٌ لاستخدامِه دائما بتحفظٍ مع بعضِ الأنماطِ الأخرى من الهمّ. كان طيبًا كالقلبِ وقد حدثَ.. وهو يعلمُ أيضًا أنه كذلك شريطةَ أنْ يتورَّعَ الآخَرُ ويتقي اللهَ والوطنَ. وفجأةً.. تذرّعَ بالناسِ، وبمفردِه حَلَّ فوازيرَ رجبٍ وشعبانَ ورمضانَ وآخرين.المخبزُ شديدُ النكهةِ، والأممُ تحجُّ إليه يوميًّا مرتين. لقد قرَّر أمس أنْ يسطُوَ عليه بحبٍ، فإنْ نجحَتْ مساعيه أصبحَ من القلائلِ.ظلَّ المخبزُ بعيدًا عن متناولِ يديه، لكنه شمَّ وتوكَّلَ، ربما يكون الوقتُ من ذهبٍ.. فليكنْ.. وذهب. اقتربَ المخبزُ والناسُ ليلا.
الفرَّانُ يعرِفُه كلّما وجدَه في الطابورِ مبتسما.الفرّانُ يُحبُّه ويَهابُه. بسرعةٍ تَلَثّمَ وابتسمَ دونه.
هو الآنَ لا يعرفُه ولا يحبُه، لكنْ لا مفرَّ من مجاراتِه بفزع. فليأخذْ كلَّ شيءٍ ويرحلُ..
واضحٌ جدًّا أن كَفَّه حادٌ ونظيف.
هجمَ مختالًا على كلِّ شيءٍ، وأخذ رغيفًا جميلًا وسجدَ. وقبْلَ أن يمضِيَ ليتلثمَ ويستمرَّ.. وهكذا، تخَلَّى عن لثامه الوحيد.. وابتسمَ للرجلِ الذي عرَفَه ويحبًّه و يهابًه.
.. كان الفرانُ طيّبًا كالقلبِ.. فتلثَّمَ والناسُ ظُهرًا، وابتسمَ مَرَّتين.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية