خرجتُ من صمتي ذات ربيع،
أحمل في صدري أغنيةً عن الحرية،
وفي يدي وردةً للغد.
هتفتُ: “الشعب يريد…”
فارتجّت الأرصفة تحت أقدامنا،
وردّت الجدران: “آن أوان النهوض.”
نهضنا…
ويا ليتنا ما نهضنا!
تدحرجت الأيام كأحجار دومينو،
سقطت ورقة، ثم أخرى،
حتى لم يبقَ من الشجرة سوى جذعٍ يابس،
تتسلقه العقارب،
وتبني الغربان أعشاشها في تجاويفه.
في الشمال، رايةٌ تقول: “أنا الدولة”،
وفي الجنوب، رايةٌ ترد: “بل أنا”،
وبينهما، أنا…
مواطنٌ بلا راتب،
بلا كهرباء،
وبلا وطن.
أمشي في شوارعٍ تعرفني ولا أتعرف عليها،
كل خطوةٍ تحتاج إلى تصريح،
هنا بطاقة، وهناك بطاقة،
هنا جمرك، وهناك جمرك،
هنا نقطة تفتيش، وهنا أخرى،
كأنني غريبٌ في بلادي،
أدفع ثمن عبوري من شارعٍ إلى شارع،
ومن لهجةٍ إلى لهجة،
ومن علمٍ إلى علم.
وفي خضم هذا الخراب،
كنتُ أسير في الشوارع،
أرى الأطفال يتسولون،
والنساء يحملن قوارير الماء على رؤوسهن،
والرجال يحدقون في الفراغ.
أرى طفلًا يبيع الماء،
وزوجة تبيع خاتم زواجها،
ورجلًا يبيع صوته في سوق الولاءات.
سمعتُ صرخاتٍ من عدن،
وأنينًا من تعز،
ودموعًا من الحديدة.
رأيتُ الوطن يتمزق أمامي،
قطعةً قطعة.
أصرخ في الشوارع: “أين الدولة؟”
فيجيبني صدى صوتي، باردًا، من أقصى حائط مهجور:
“الدولة كانت مجرد مرآة مكسورة. استيقظ.”
أحاول أن أصرخ،
لكن صوتي يضيع بين نشرات الأخبار،
وبين بياناتٍ تبدأ بـ”نستنكر” وتنتهي بـ”اصبروا اصبروا الفرج قريب”.
ثم…
أرى نفسي في مرآةٍ مكسورة،
نصف وجهي في صنعاء،
والنصف الآخر في عدن،
وعيناي تبحثان عن تعز.
وفجأة…
أستيقظ.
أتلفّت حولي،
العرق يبلل وسادتي،
والنوافذ مغلقة،
لكنني أسمع دويّ قصفٍ بعيد.
أهمس لنفسي:
“كان حلمًا… أليس كذلك؟”
لكن الصمت يجيبني:
“بل هو الواقع،
والكابوس… لم يبدأ بعد.”
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية