إِنْ تَشَقَقَ الكونُ فِى كفّى …
وُعُوُى وُقْتُ الخريفِ …
إِنْ تَبَاعَدَ الرّىُ منّى …
ودَنَا وجَهُ المِحَنْ …
وذَهبَ الكلُّ عَنِّى ..
وسافر مِنْ جِوارى الوطنٌ .. .
غَرِيبةٌ أَنَا …
وحيدةٌ هُنَا …
لكنّ قَلبى مُتْرَعٌ ببذورٍ مِنْ أَمَل …
أبدًا سَأمَضِى فريدةٌ… لِأُنْبِتَ الرَّجَاءَ .. .
لأغْرِسَ الحبَّ زُهُورًا وَعُطُور …
وشجرةً طيبةً فى أصلِ السَّماءِ . .
سأنبتُ فى عُيُونِ العَطَشِ . .
وسَأَضَعُ الخَيْرَ فى قَوافِلَ الزَّمَانِ
………………………………….. خالد على عجبل 26/5/2012
***********************************************
نلاحظ ان القصيدة تحمل معنى تحدي الموت وبث الحياة في الاشياء المظلمه و الآيلة للذبول وهذا غاية الأمل . فهو قد أتى بثنائية (تباعد و دنا) كما نلاحظه استخدامه للكلمات التي تدل على الهمس ، فالأسلوب لم يتبنى الصراخ بل يهمس في الأذن ليأتي بالحياة مما اعطى رومانسيه و موسيقى جميله وكأنه يعزف على الحروف مما ساعده على الخفة في التنقل من مقطع الى اخر مما جعل القارىء يشعرت نفس الشعور الذي يحس به الشاعر وكأنه يعيش التجربة بنفسه وهذا يدل على صدق العاطفه النابعه من الشاعر ومدى تأملاته وبراعته في حمل قارئه الى الفهم والاحساس . إن تشقق الكون فى كفى …ا وعوى وقت الخريف …ا إن تباعد الرى منى …ا ودنا وجه المحن …ا وذهب الكل عنى ..ا وسافر,,حتى الوطن .. رسم الشاعر بكلماته صورة كلية لمنحى القصيدة ، تشتمل على صورة جزئية كامنة في التحدي و مقاومة الموت ، فنجد الزهرة صامدة و ان تشقق الكون بكفها و هي كناية عن نفس الشاعر الذي يحس باجتفاف العاطفة و شح المشاعر … و ان كان الوقت خريفا ، ان كان لا سبيل للماء … و يعتمها بدنو المحن ، فكل ما وصفه محن ليس بعدها محن ، لكنه لا يتوقف عند هذا بل يظهر انه وحيد ، غادره الكل ، تركوه حتى الوطن ، و الوطن هو القلب الذي يلتجىء إليه ، فإن فُقِد القلب الذي نلجأ اليه ، ضاع الوطن … بالمقطع الثاني يأتي بصور مشرقة بعد التي جاءت مظلمة بالمقطع الأول حين يقول على لسان الزهرة غريبة هنا ، وحيدة أنا … لكنه يتحدى كل ذلك فيقول أبدا سأمضى فريده…ا لأنبت الرجاء .. .لأغرس الحب زهورا وعطور … وشجرة طيبة فى أصل السماء . .أنبت فى عيون العطش . .وأضع الخير فى قوافل الزمان انه سيكمل المسير و حيدا ((المسير هو الحياة ))، سينبت الرجاء ، سيغرس الحب زهورا و عطور و شجرة طيبة في أصل السماء و هنا قمة الأمل ، فهو متيقن ان الآتي خير ، انه سيحسن الظن بالأيام و بخالق الأيام ، هنا يعيدنا للتفكر بالآية الكريمة ((…شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء )) فالمؤمن مثل شجرة النخل قولا و فعلا و عملا ، ودائما عمله الطيب مرفوع للسماء … و يتكلم بكل ثقة و تحدي حين يأتي بتصوير إحائي لا يدركه العقل ، فيقول سأنبت في عيون العطش ، العين لا تكون إلا بتدفق الماء ، لكنه يأتي بها من العطش و ليس هذا فقط بل يؤكد على انه سيطل برعما للحياة من عيون العطش ، وصف لا يمكن تصوره ، و ليس غريبا على شاعرنا هذه القدرة في تصوير الأشياء التي لا يمكن ان تكون بالواقع ، و لا يمكن تصورها و تحقيقها الا بالخيال و بنفس الشاعرة التي ترجو الأمل و تتطلع للحياة رغم الصعاب … و ينهيها بصورة جمالية رائعة حين يقول : و أضع الخير في قوافل الزمان فالزمن هو الوقت الذي يعيشه و مستقبله الآتي ، اما القوافل فهي الأيام ، و هنا تظهر فلسفة الشاعر و نظرته للحياة ، فهو يدعو الناس من خلال تحدي زهرة للتربة المتشققة و الجفاف و عدم وجود الماء … من اجل الحياة ، فيريد من المتشائمين ان ينظروا للحياة بمنظاره و يتحدوا الصعاب و يجعلوا الحياة تزهر كي تزهر أيامهم ، و ان لا ينظروا بمنظار مظلم و ان لا يعيشوا الشقاء و التعاسة … اختار الشاعر كلمات تعبر عن الطبيعة ((زهور ، شجرة ، سماء ، عيون.. ))لأن الطبيعة تشاركه تحديه و همومه ، كما انه ربط بين الطبيعة الحزينة التي تكاد تموت و نفسه الكئيبة ، و بين وجود الزهرة في تلك التربة الجافة وحيدة و بين وحدته ، و قرن بين تحديها و تحديه لكل الصعاب من اجل الحياة …. و قد استطاع ان ينقلنا لجو النص عن طريق الابتعاد عن الخطابة المباشرة ، بعاطفة انسانية متفائلة و خالدة و كل ما تحمله من معان لإزالة هموم النفس البشرية بلغة و أسلوب يرتقيان عن البساطة لصعوبة الفهم ، فقد رسم لوحة فنية للإنسان المتفائل المتطلع للحياة بطريقة تصويرية رائعة …فالأحلام الجميلة بقلبه لا تذبل و الأمال المشرقة لا تموت ، و ان جاء بالخريف و كأنه يصف الكهولة ، إلا ان مراحل الحياة عنده لا تذبل أزهارها و لا عبيرها ينقطع مدى الحياة …