هاني الظاهري
بداية يجب أن أشير إلى أن أجواء المسلسل بشكل عام شبيهة جداً بأجواء فيلم مصري تم إنتاجه مطلع ثمانينات القرن الماضي بعنوان «فتوات بولاق» من بطولة نور الشريف وفريد شوقي وسعيد صالح، وهو فيلم يتناول قضية تسلط الفتوة وأتباعه على سكان حارة مصرية قديماً ويجسد الظلم الذي يتجرعه الحرفيون البسطاء جراء ذلك، كما يتضمن الكثير من مشاهد العنف والعراك بالعصي ويحمل قصة حب حزينة في طياته، أي باختصار نفس المواضيع والمشاهد التي يضج بها مسلسل حارة الشيخ، فالفتوة عباس في الفيلم يقابله الفتوة درويش في المسلسل وقس على ذلك، ومع هذا لا يمكن اتهام مؤلف «حارة الشيخ» بسرقة الفكرة العامة لأن «الأفكار ملقاة على قارعة الطريق» كما قال الجاحظ قبل مئات السنين، فما يهمنا يتلخص في الرسائل التي يقدمها المسلسل من خلال الحبكة الدرامية والأداء الفني وجودة النص والإخراج.
على مستوى الإنتاج أعتقد أن «حارة الشيخ» حظي بفرصة لمنافسة أضخم الأعمال الفنية السعودية إنتاجياً إن لم يكن هو أضخمها بالفعل، وهذا أمر إيجابي ويخدم مسيرة الفن السعودي بشكل عام ويحسب بالطبع لمجموعة MBC ممثلة في ذراعها للإنتاج شركة «أو ثري».
أما على مستوى النص فهناك مشاكل كثيرة وقع فيها كاتب السيناريو خصوصاً فيما يتعلق بـ «اللهجة الجداوية»، إذ ظهر بعض ممثلي المسلسل وهم يؤدونها بشكل خاطئ ومضحك أحياناً، أضف لذلك أنه حاول توظيف كثير من الأمثال الشعبية الحجازية في الحوار بشكل مبالغ فيه ويكشف عن رغبته في إضفاء العراقة على النص بتعسف لم يكن مطلوباً.
يؤخذ على المسلسل أيضاً محاولته تكريس «البلطجة» كإرث ثقافي جداوي وهذا أمر غير صحيح تاريخياً، ولو كان الحديث عن حارات مصر الشعبية القديمة لكان مقبولا، إذ أنها كانت بالفعل محكومة من قبل البلطجية و«الفتوات» على عكس المجتمع الجداوي الذي كان مجتمعاً مدنياً تجارياً متحضراً رغم بساطته، وحاراته المحدودة مخالفة تماماً للصورة التي تظهر بها «حارة الشيخ»، وقد كان حرياً بالكاتب الذي يبدو أنه تسرع في إظهار عمله ودخل منطقة ألغام اجتماعية خطرة أن يستعين بمستشارين من مؤرخي جدة ومثقفيها وكبار السن ليتجاوز المشاكل التي وقع فيها وليتجنب أيضاً هجوم رافضي المسلسل الذين اتهموه بالسعي لتشويه تاريخ مدينتهم وأهلها، وقد تقدم بعضهم كما علمت أخيرا بشكاوى رسمية ضده وهذا تصعيد لا مبرر له برأيي ضد عمل فني خاضع للنقد كغيره.