تعتبرُ روايةُ ” الطّريق إلى الزعتري” وثيقةً اجتماعيّةً لإرهاصاتِ الثّورةِ السّوريّةِ ، وشاهدًا على تخاذلِ وتآمرِ جيشٍ على ثورةِ شعبٍ ووطنٍ ذاق ويلاتِ القتلِ والتّشريدِ والتّفقيرِ منذُ سنينِ خلتْ ، فأصبحوا له أعداءً وليس أهلًا وبُناةً. ضمّتِ الرّوايةُ بينَ دفتَيها مشاهدَ سياسيّةَ ومُخابراتيّة وأمنيّةً عديدةً، ولستُ هنا بصددِ مناقشتِها ؛ فالحديثُ يطولُ في هذا البابِ،كما أنّه واضحٌ للعيانِ لايختلفُ فيه اثنان ،وأنّما أردتُ أنْ أنقلَ لكم صورًا اجتماعيّةً من حياةٍ ريفيةٍ وادعةٍ،لمْ تبقِ لها يدُ الظّلمِ والقهرِ شيئًا من عفويّتِها وبساطتِها. تختلفُ البيئةُ القرويّةُ الريفيّةُ عن المدنيّةِ في نمطِ الحياةِ والعيشِ ، فمعظمُ سكّانِ هذه البيئةِ هم من طبقةِ الفلاحين ، الذين يهتمون بالأرضِ وفلاحتِها وتربيةِ المواشي والحيواناتِ الأليفةِ ، ويتوزعون في قرًى وبلداتٍ صغيرة على مقربةٍ من المدنِ الكبيرةِ. ومن أنماطِ الحياةِ الرّيفيّةِ كما أوردَها المقدادُ: – الاهتمامُ بالارضِ وزراعتِها . يولي هؤلاء الفلاحون الأرضَ عنايةً فائقةً ، وهي مصدرٌ لرزقِهم وأمانِهم فضّلوها على وظائفِ الدّولةِ ، وزروعها بالبطيخِ والشّمامِ والقثّاءِ والبامياءِ وعبّادِ الشّمسِ والزّيتونِ،وامتلأتْ سهولُها بجبالٍ من بيادرِ القمحِ والشّعيرِ على وقع أنغامِ أغنياتٍ ردّدوها بألحانٍ مختلفةٍ ملء حناجرِهم ، وهم يصافحون السّنابلَ، وكانوا يحرسونها ليلًا ونهارًا ، و يضعون الفزّاعاتِ على أطرافِها لإيهامِ الطيورِ والوحوشِ بأنّها محروسةٌ ،استغلوا كلَّ شبرٍ منها،فزرعوا حواكيرَ منازلِهم فأصبحتْ حدائقَ غنّاءَ ، وشمختْ أشجارُ “الكينا” في قراهم ، فأصبحتْ مناراتٍ يُهتدى بها. – الفقرُ : عانى الفلاحون منِ الفقرِ والتّهميشِ الذي وصلَ لذروتِه ؛ فالوظائفُ الحكوميّةً ورواتبُها لا تلبّي حاجيّاتِ العيشِ الأساسيّةِ ، فهي تتبخّرُ منذُ الأسبوعِ الأوّلِ منِ الشّهرِ ؛ لذلكَ بحثوا عن أسبابِ حياةٍ أخرى ، فقاموا بتربيةِ الحيواناتِ الأليفةِ التي يستفادُ منها كالحَمَامِ والزّغاليلِ التي تُباعُ وقتَ الحاجة ،وما أكثرُها!وبعضُهم عملَ في المهنِ اليدويّةِ كالجبصينِ ومقاولاتِ البناءِ، وورشاتِ إصلاحِ السّيّاراتِ والدّراجاتِ . التّكافلُ الاجتماعيُّ: هؤلاءِ الفلاحونَ اقتسموا الظّروفَ الحياتيّةَ المريرةَ ؛ فالهمُّ واحدٌ،والفرحُ واحدٌ، والمصيرُ واحدٌ،ومن صور هذا النّمط الاجتماعيّ في تلكَ القرى : التّعزيةُ بالفراقِ ، والتّهنئةُ بالّلقاء، والمواساةُ عندَ الشّعورِ بالضّيقِ ، والتآخي المنقطعُ النّظيرٍ، تناصفوا كأسَ الماءِ ونورَ الكهرباءِ ، لبّوا نداءاتِ بعضِهم دونَ تذمّرٍ ومماطلةٍ ، بلْ بابتسامةٍ نخويّةٍ . التّقاليدُ والعاداتُ: لكلِّ مجتمع ٍ تقاليدُه وعاداتُه ، قرويًّا كانَ أم مدنيًّا ، ورثوها من آبائهم وأجدادِهم ، وسينقلونها إلى أحفادِهم ، ومنها إكرامُ الضّيوفِ بتقديمِ القهوةِ (المُرّةُ) ،وهي القهوةُ العربيّةُ الأصيلةُ التي لم تخلُ منها مضافاتِ حورانَ ،والقيامُ بواجبِ العزاءِ عندَ الفقدِ ؛ إذْ يجتمعُ المعزّون في خيمةِ العزاءِ ويقومون بقراءةِ القرآنِ والتّسابيحِ في أجواءِ مودةٍ وتراحمٍ ، ومن مراسمِ التّعزيةِ أيضًا الدعاءِ ، وتقديمِ الضّيافةِ لهم ،وهي عبارة عن فواكهٍ وهرائسَ لمن يرغبُ منهم تتبعُها القهوةُ ، وهناكَ أيضًا طقوسٌ خاصّةٌ بأهلِ الرّيفِ الدّرعاويّ ؛ إذْ يتناولون وجبةً منِ الفولِ صباحَ كلِّ جمعةٍ ، وهو روتين اعتاد عليه معظمُ فلاحي. ويملأ الوشمُ وجوهَ العجائزِ ، حيثُ اتّخذنّه زينةً لهنَّ أيامَ صباهنّ ، فذهبَ الصّبا وبقي الوشمَ كما خُلقَ،كما يستخدمْنَ الأسنانَ الصّناعيّةَ (الطّقم)، وهي حاجةٌ صحيّةٌ تُعينهنَّ على أمورِالحياةِ،وتبدو علاقتُهنَّ مع (كنّاتهنَّ) مغايرةً للمألوفِ؛إذْ يحظينَ باحترامٍ يصلُ حدَّ التقديسِ ، حاجاتُهنَّ مُلبّاةٌ ، أوامرهنَّ مُطاعةٌ ، وهنَّ بدورهنَّ لا يبخلْنَ بعطفِهنَّ وحنانهنَّ وخبراتهنَّ على زوجاتِ فلذّاتِ أكبادهنَّ. ومن تلكَ التّقاليدِ والعاداتِ ما يُسمّى (بطاسةِ الرّوعةِ) ؛فيعتقدون أن سكْبَ الماءِ داخلَها ثمَّ شُربه مع قراءةِ آيةِ الكرسيّ والمعوّذاتِ ، ينجي من ومكروهٍ وبراثنَ قد تحلُّ ، فهي طاسةٌ نُحاسيّةٌ صفراءُ ذاتَ شناشيلَ ناعمةٍ تُحدثُ خرخشةٍ إذا حُرّكتْ،وكذلكَ الأغاني والمواويلُ التي يردّدونها أثناء حصيدِهم القمحِ والشّعيرِ، وأيضًا كانَ منهم مدخنون كثرٌ ، سجائرُهم بعددِ نبضاتِ قلوبِهم ، ينفثونها من أفواهِهم كما ينطقون الكلماتِ،ولعلّ ذلك يعودُ للظّروفِ القاسيةِ التي تحيطُ بهم. المسكنُ: كانَ الفلاحون قديمًا يسكنون في بيوتٍ كبيرةٍ منِ الاسمنتِ والحديدِ المُبطّنَ تتسعُ لهم ولأبنائهم مع عائلاتِهم ، وكانَ الجدُّ هو الآمرُ الناهي ، وهو من يسيّرُ الحياةَ في هذا البيتِ وفقَ آرائه وفكرِه ،من غير اعتراضِ، ولكن عندما تطورتِ الحياةُ، واختلفتْ ظروفُها،بدأتِ الأسرُ بالاستقلالِ في بيوتٍ محاطةٍ بقطعةِ أرضِ مزروعةٍ بأشجارٍ مُثمرةٍ وأشجارِ زينةٍ ،كما أنّهم كانوا لا يتقبّلون َ فكرةَ العماراتِ والبناياتِ ذاتِ الطّوابقِ ، والشّققِ السّكنيّةِ ضيّقةِ الحيّزِ، ويشبّهوننها بالسِّجنِ الذي يكبّلُ الحريّةَ ، ولكنّهم مع مرورِ الأيامِ تقبّلوها على مضضِ ، إذْ أصبحتْ مقصدًا للشّبابِ ، وخاصّةُ المُقبلين على الزّواجِ وبناءِ أسرٍ جديدة. وسائلُ النقلِ: اعتمد الفلاحون في ريفِ درعا على الدّراجاتِ النّاريّةِ اعتمادًا كبيرًا في قضاءِ أشغالِهم ومصالحِهم ، وربّما أكثروا من هذه الدّراجاتِ لأنّها قليلةُ التّكلفةِ وتحتاجُ إلى كمّيةٍ بسيطةٍ من البترولِ،وتفي بأغراضِهم،دون حاجةٍ إلى السّيّاراتِ ، وبعضُهم است