تحتل الدراسات حول الفرق بين الوعي والادراك مساحة كبيرة في الاوساط النفسية ” علم النفس ” ، مما يتيح للباحث ان يقف على مفارقات عديدة يمكنه اسقطاها على الواقع بحدثه العام وعلى تجربته بتفاعله الخاص، وبالتالي فان امكانية الوصول الى استنتاجات مبطنة واخرى ظاهرة امر ممكن ضمن حدود الادارك والوعي على ان الامرين ليسا بنفس الدرجة والتماسك في كل الحالات، وهذا ما يفرض اشكالية البحث الاكاديمي في الفرق بينهما،وكي لانخوض في تلك المعيات والفروقات نختصر القول بان الوعي وبحسب بعض الدراسات له علاقة كبيرة بالحالة الروحانية وهنا لانقصد بها الروحانية الدينية انما الاشارة الى تلك الدرجة من الادراك حين يصبح العالم الفيزئائي غير عائقاً لحدود الفهم وبمعنى اخر ان يكون المرء مدركا للعالم الميتافيزيقي حيث تأخذ التفاعلات الروحية والتعلم مكان التجارب المعرفية الفيزئائية وبذلك حين ان تكون في حالة وعي تصبح اكثر عمقا وتوسعا من ان تكون في حالة ادراك ، لان الادراك يعتبر شرطا مسبقاً للوعي، لانه لايمكن ان نكون واعين لشيء ما ان نكن مدركين له اولاً، وبذلك يكون الادراك هو في الاساس مفهوم ذو ارتباط ملموس اي ان له دلالة ذات تعبير جسدي، فحين تدرك قيمة الاشياء تقرر اي خيار تتخذه تجاهها او اي فعل تمارسه وفق معطياتها الادراكية السبقية وهذا بالتالي وبحسب بعض الدراسات يقودنا الى القول بان تكون مدركا ليس بالضرورة ان يقابل او يساوي معنى ان تكون واعياً ، وخلاصة القول يمكننا ان ننظر الى الوعي على انه نافذة صغيرة تسمح لنا بالولوج الى بعض المعلومات الحسابية القائمة في دماغنا لكن ضمن محدودية تنسجم مع تجربتنا القائمة وحاجتنا البقائية وبالطبع وفق ادارك ناجم عن عمليات حسابية بهدف رسم قالب يحاكي الواقع الفيزئائي المحيط بنا، ومشاركة المعلومات بين جميع الاقسام الحسابية وبذلك نكون على عتبة مستويات مختلفة من الادراك وبالتالي يمكننا القول بان الانسان قادر على ادراك بعض ادراكه وهو ما يرمز اليه بالوعي، ومع اختلاف وجهات النظر حول السبقية بين الوعي والادراك نجد وضوحا في رسم معالم خارطتهما،حين نقول بان الادراك متعلق بالحسيات والوعي بالميتافيزيقيات، وبينهما يكمن الصراع الذاتي او ما نسميه الوعي الذاتي.
وبعيداً عن تلك التقاطعات النفسية حول توضيح الماهيات المتعلقة بكل من الادارك والوعي، فاننا واقعياً وضمن جغرافية تجربتنا الحية نحتاج الى فهم العمق الحقيقي للتجربة التي نخوضها ونمر بها وفق تداعيات الحالة اولاً، ومن ثم وفق المعطيات التلازمية للحالة، وبذلك فان وعي المرحلة بعمقه الروحي ضرورة ، ولكن الادراك الحسي بمجريات الاحداث وتأثيراتها على المستويين الاني والمستقبلي ضمن سيرورة الاحداث وصيرورتها تتطلب منا ادراكاً يخرجنا من الميتافيزيقيات الى الوقائع ” الاصابع ” التي تحرك احجار الشطرنج، وبذلك نكون امام معضلة كبيرة لاتمس الوعي الذاتي فحسب انما تمس الوعي الجمعي ايضاً، لكوننا نمارس الفعل ذاته الذي قد يكون في الاصل اشكالية سبقية تشكلت بسبب تجربة خضناها، وبالتالي فاننا امام صراع هو مخاض لتجاربنا، مما يعني ان الصراعات التي نحن بصدد خوضها في الواقع هي في الاصل ليست نتيجة ادراكنا للموجودات بصورة مباشرة، انما من خلال خارطة ادراكية معينة تتخلق من الطور الثقافي والاجتماعي الذي نشأنا فيه، فحين نقول بأن الحكومات لاتقدم شيئا لشعوبها، وانها تسرق قوت الوطن وتهدره في امور لاتخدم لا القضية ولا الشعب ولا السعي لتحقيق الاهداف المستقبلية فهذا لايكون الا من خلال ادراكنا للتجارب السابقة التي نشأنا في بيئتها، وبذلك نكون كما يقول توماس كوهن ان ما يراه الانسان على سبيل المثال يعتمد على ما يراه طبعاً ولكن ايضا على ما تعلمه من تجارب الادراك البصري السابقة بحيث تصبح هذه الخارطة الادراكية التي تنمو وتتشكل مع الانسان حاجزا وموجها لا مفر منه عندما يدرك حقيقة الاشياء، لذا فان مانعانيه في واقعنا الكوردستاني المرير بصورة خاصة والشرقي بصورة عامة مثلاً وما نراه من انتهاكات بحقوقنا والضرب بالحديد والرصاص لطموحاتنا وهدم لكل افاق تطلعاتنا من قبل الانظمة الدكتاتورية التي تحكم تلك الاجزاء التي فرضت علينا في مؤتمر لوزان وبعد اعمال خط بروكسل فان ذلك لايأتي من فراغ ادراكي او من خلال صور مباشرة نلتقطها في حياتنا اليومية ونشاهدها على شاشات القنوات الفضائية، انما هي وقائع نمت من تجارب سبقية وتحولت يوما بعد يوم الى ادراك بصري ذهني حسي ذاتي حتى اصبحت حاجزاً بيننا وبين تلك الانظمة الدكتاتورية بل تعدت ذلك الى كونها اصبحت تشريعاً نتعامل من خلال فرضياتها واحتمالاتها مع تلك الاقوام التي تساند انظمتها في اضطهادنا ، ولعل ما يحدث الان في تركيا العنصرية خير دليل على تفاقم هذه المعضلة الادراكية بين النظام الدكتاتوري والكورد فمنذ تأسيس الدولة التركية العنصرية الغت لغات جميع القوميات التي تعيش ضمن جغرافيتها، وكانت ولم تزل تقول تركيا دولة يعيش فيها اقوام متعددة ولكن لغتها واحدة وهي التركية منتهكة بذلك كل القيم التعايشية بين الاقوام لاسيما الكورد والارمن والعرب الذين يعيشعون ضمن حدود ذلك الجحيم التركي، وبالطبع الدكتاتوريات تشرب من معين واحد، فسوريا لم تكن يوما بافضل حال في تعاملها مع الكورد وايران ايضا التي تمارس بحق الكورد وبحق العرب في جنوبها ابشع الممارسات القمعية من اعدام وسجن وضرب للمتظاهرين اما في العراق فمع تغيرات ظاهرية طفيفة على مستوى الحضور الكوردي بالذات لاعتبارات مصلحوية تتعلق بالمنظومة الدولية فان الحكومات العراقية كانت وستبقى تنتظر الفرص لقمع وضرب الكورد كما فعلت سابقا وحاضراً، وبذلك فاننا لسنا بصدد خلق توهيمات صورية حديثة انما هي احداثيات نمت وتعمقت جذورها في الوعي والادارك والذات حتى تحولت الى ما يشبه الفوبيا تجاه تلك الانظمة فكل ما نعيشه اليوم عشناه في الامس بنفس القيمة التنكرية لنا، وبنفس القيمة القمعية لنا، ولكن بشكل اكثر تطوراً.
وهذا ليس بحال الشعب الكوردستاني فحسب انما هو حال اغلب الشعوب الشرق اوسطية التي تعاني من المعضلة ذاتها لاسيما مع انظمتها الدكتاتورية التي تفرض قوانينها بقوة عساكرها والمنظومة الاستخباراتية التي تملكها بعيداً كل البعد عن القيم الوطنية الهادفة لخلق مواطن يؤمن بقضيته ووطنه، هذه المعضلة التي تطورت وعياً وادراكاً تحولت الى رمح في خاصرة الاوطان نفسها، فليس هناك وطن لايهرب مواطنوه منه الى اوطان اخرى بعيدة سعياً للامان والسلام والعيش الانساني و بعيداً عن التعنت القومي والديني المذهبي والقبلي الانتمائي والسلطوي الدكتاتوري.