يطل علينا الشاعر إبراهيم موسى النحاس بديوانه الجديد وهو السادس له يحمل عنوان“ناقص وجميل” الذي يعتبر ترنيمة أخرى للحياة والموت بعد ترنيمته السابقة “بملابسه البيضاء الأنيقة”، وإذا كان في ديوانه السابق قد عايشنا في الحياة الآخرة ورحلة الموت وفلسفة العبث، حيث يؤكد على حياة القبر بتلك الملابس البيضاء الأنيقة، فإن الشاعر في هذا الديوان الجديد قد حاول أن يماهي بين الموت والحياة والجمال وكيف أن تلك الحياة تحوي العديد من التقلبات المعهودة من قبل الأنثى والقصيدة، ويحاول أن يماهي بين الأنثى والقصيدة والمكان بدءاً من ذلك الإهداء المقتضب وغير الواضح وغير المكتمل لفظياً ولكنه مكتمل معنوياً، حيث اكتفى بقوله “إليها…” موقعاً اسمه بعد تلك الكلمة فإليها تخص الأنثى سواء أرادها قصيدة جميلة مثل فراشة تلهو بأفكاره حتى ولو أصبحت يتيمة أو فتاة محبوبة أو بقعة من بقاع الأرض عاش فيها وأحبها، فالإهداء مفتوح على مصراعيه رغم أنه يرسل تحاياه إلى القصيدة والكلمة. أما ديوانه فهو يمتلئ بآيات الشعر الرائق الجميل فيه نوع من التجريب، فمن خلال القصيدة الأولى التي حملت عنوان “على شاطئ البحر” نجد الحرف يغتسل لطهارة الكلمة، تلك الكلمة التي تأتي له مداعبة إياه رغم كهولته فتحاول أن تطبع قبلة على جبين الدهر كي يصحو ويعيد إليها الحياة، هنا نرى اللغة الحسية التي تلامس الحياة من قبلة وردية بكلمة تدعوه إلى كتابة قصيدة، ولكن بشرط أن تكون تلك القصيدة نقية عذبة بعيدة عن اللآلام، فأصبحت من مفرداته معايشة حياة القصيدة من المهد إلى اللحد رغم أن اللحد فيه بقاء هنا للكلمة الصادقة، فالحرف والكلمة والقصيدة هي أساس الحياة لنغم أصيل يرنو من خلاله الشاعر نحو الحياة وكي يبقى على هذه الأرض. ويجد قصيدته تبكي وبكاؤها بسبب عدم وجود مكانها الصحيح فبكت على تلك الحالة المتردية التي وصلت إليها فلم تجد إلا الرصيف القذر تجلس عليه، فهي لم تجد ذهناً وعقلاً راجحاً تسكنه، ولكنها لم تبقيه على حاله، بل حاولت النيل من ذلك القابع هنالك على حافة الحياة بأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تترك الذين باعوا أنفسهم بقوله “يدوسون عقولهم بأرجلهم” ورضوا بذلك الامتهان للكلمة والقصيدة. وسرعان ما تنبهت تلك القصيدة الجميلة وتسارع في إزالة الغبار عن ذلك الوجه كي يعيدها من جديد ويعطيها الحياة. إن شيطانه الشعري لم يرض عنه كثيراً حين يراه متغافلاً عن ذلك الورد المتصاعد من عبير الكلمات ولم يحرك ساكناً فيجلس حزيناً مثل تلك “القصيدة التي تأجلت أو قبلة تأجلت مع الريح” تبقى الجنة المحرمة تراوغه كما تراوغه الأحرف والكلمات، لتظل معلقة على الحائط كحال ذلك المثبت بين شهادات التقدير ليخرج وينبهه، ويبقى كذلك هاجس الموت والقبر وسيطرتهما على الحياة في قصيدته وكأنه يخشى ذلك البعيد بل ويتهيبه، فهو النهاية لكل حي “الموت” ورغم ذلك فهو يضمن لقصيدته البقاء والخلود، وكأنه في رحلة بعث من جديد..بل والأدهي من ذلك أن يحاور النفس التي بين جنبيه وهو نوع من التجريب الشعري الراقي حتى يلقي اللوم على تلك النفس رغم أنها بلغت من العمر ما يجعل كرمشات وجهها تؤكد الإصرار على الرحيل ويختم إحدى قصائده بقوله: فقط، سأحاول أن أصل معه إلى حل وسطٍ. فيخرج من المرآة، ويظل معي إبراهيم موسى النحاس الذي..نعم إنه الشاعر عينه والأديب نفسه الذي طاف وجال البلاد شرقاً وغرباً منقباً وباحثاً عن تلك الكلمة كي يبعث فيها الروح بترنيماته البهية.
إن إبراهيم موسى النحاس حالة شعرية متدفقة وشعره يتسم بالسلاسة والعذوبة، فيه غموض أحياناً باعتباره قصيدة نثر لها مقوماتها ولها رونقها البهي، ولكنه ورغم قتامة الطرح يعتبر دعوة للحياة،